الأربعاء 2024-12-11 11:48 م
 

حلم سعادة النائب!

07:53 ص

'لا يقلقني فشل الحكومات، بل ما أخشاه هو فشل المجتمعات'. بهذه الجملة اختتم النائب كلامه للملك، في حلمٍ طويل، حدّثني عنه، كان حاضراً فيه لقاء مع الملك مع نخبة من النواب في المجلس.

اضافة اعلان


هواجس صديقي النائب، التي انعكست في حلمه وكلامه مع الملك، لم تأتِ من فراغ، بل أصبحت حديثاً يومياً لدى شريحة اجتماعية واسعة، تزداد لديها حالة القلق ليس فقط من الأوضاع الاقتصادية، بل من التغيرات الاجتماعية والقصص التي تابعناها خلال الأسابيع الماضية، بدءاً من السطو المسلّح على البنوك، مروراً بهتافات الملاعب وبعض الأشخاص في الحراكات، وصولاً إلى حوادث أخرى، مثل التنمر في إحدى المدارس وبلطجة كونترولية وسائقين على أحد الأشخاص في سيارته، ثم حادثة طعن في متجر شهير في عمّان، وكذلك الحال قصص أحد النوّاب التي أغرقت مواقع التواصل الاجتماعي مع فيديو له يعتدي على موظف أمن في أحد المولات.


هذه الحوادث ليست جديدة، فإذا كنتم تذكرون، قبل أعوام، انتشرت ظواهر أخرى لا تقل خطورة، وصلت إلى درجة العنف داخل الجامعات واستخدام السلاح فيها، والعنف الاجتماعي وسرقة السيارات وجرائم أخرى شبيهة، ونواب يولمون لأصدقائهم ويقدمون لهم في إحدى المزارع أنواعاً من الحشيش، كما كان يذكر بعض النواب حينها، وعنف واستخدام أسلحة داخل مجلس النواب نفسه!


بين الفينة والأخرى ترتفع وتيرة بعض الأحداث والقصص وتصيب الناس بالهلع، وتبدأ الأسئلة تطرح في المقالات، مثل: ماذا فعلتم بالأردنيين؟ ماذا حدث للأردنيين؟ إلى أين نسير؟ وهكذا، ثم تتراجع هذه الظواهر، إمّا لرفع وتيرة القبضة القانونية والأمنية عليها أو تنتهي من دون أن يكون هنالك تفسير واضح لذلك.


تنوعت تفسيرات المواطنين لتكرار هذه الظواهر؛ منهم – بخاصة المقربين من أوساط الحكومات- / 'التيار التبريري'، من يرى بأنّها طبيعية، وتحدث في كل المجتمعات، ولأنّ هنالك انتشاراً في السوشال ميديا وتطوراً كبيراً في ذلك، أصبحت الناس ترى هذه الظواهر بصورة أكبر، ما يوحي إلى انتشار كبير لها، والحقيقة أنّ التغير هو في نقل الصور والأخبار والفيديوهات، وليس في تغير المجتمعات.


التفسير المؤامراتي يحضر، أيضاً، لتجد نسبة من المواطنين، بخاصة السياسيين المعارضين يربطون ذلك بالأزمة الاقتصادية والظروف السياسية، ويرون أنّه 'لعبة تخويف' للمواطنين، تستخدم كل مرّة للتلويح بالبدائل والأخطار الممكنة، وللتأكيد على تغليب الجانب الأمني على المطالب الإصلاحية.


الاتجاه الأول في كلامه منطق، وتفسير جزئي صحيح تماماً، فالإعلام المجتمعي يساهم كثيراً في تسليط الضوء على هذه الأخبار والظواهر. أمّا الاتجاه المؤامراتي فلم أكن يوماً من أنصاره، أمّا التفسير الذي أميل إليه فهو الذي يقوم على مفهوم 'العنف البنيوي' في المجتمعات، سواء هذه الظواهر الجديدة أو القديمة التي تحدثنا عنها، ولا ينفك عن هواجس الناس المشروعة والحقيقية بأنّ هنالك بالفعل تحولات خطيرة تحدث في القيم وفي ازدياد وتيرة العنف، بأنواعه كافّة، الرمزي والسياسي والاجتماعي والثقافي، وانتشار حالة النزق داخل المجتمع، بما يرتبط بالأزمة الاقتصادية والفجوة الطبقية الكبيرة وارتفاع الأسعار، وعدم قدرة شريحة اجتماعية واسعة على التكيّف مع الظروف الراهنة.


يضاف إلى هذه وتلك: انتشار المخدرات، وارتفاع معدلات البطالة، واتساع رقعة التطرف الديني والاستقطابات الاجتماعية والثقافية، وتفكك المركزي الأخلاقي في علاقة الحكومات بالمواطنين، وعدم الشعور بوجود أفق حقيقي في المستقبل، أو عجز الحكومات عن إقناع المواطنين به، ما يجذّر حالة الإحباط لدى قطاع واسع من المواطنين.
مثل هذه الأوضاع التي تولّد وتنمّي مفهوم العنف البنيوي هي – كما حلم النائب- أخطر بكثير من فشل الحكومات، لأنّها تنذر بفشل المجتمعات!


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة