الوكيل- مع بدايات الربيع العربي، مطلع العام 2011، أخذت قضية الإصلاح السياسي، الجزء الأكبر من نقاشات الأطياف السياسية والفكرية ومداولاتها في الأردن، كما في عالمنا العربي بأجمعه.
وبدأت الحركات السياسية المختلفة تستعمل مصطلحات عديدة، مثل الإصلاح والديمقراطية وحرية الرأي و» نبض الشارع» « والشعب يريد»، من دون أن يكون هناك فهم مشترك حول أطرها.
وفي الأردن، خلافا لما جرى في دول الربيع العربي، التقت إرادة القائد مع إرادة الشعب، فأخذ جلالة الملك عبدالله الثاني زمام المبادرة ووضع برنامجاً واضحاً للإصلاح، وصولاً الى ما كان جلالته يدعو اليه منذ تسلمه سلطاته الدستورية،وهو تشكيل المنابر السياسية وانضواء المواطنين تحت لوائها، تمهيداً لقيام الأحزاب الوطنية، ومن ثم تشكيل الحكومات البرلمانية. ويؤكد جلالته دائماً على ان الإصلاح عملية مستمرة، تتطور مع الزمن،وفق معطيات المرحلة التي نعيشها. ومعالم هذا النهج الإصلاحي واضحة تماماً لجلالة الملك وللمواطنين وللأطياف السياسية المختلفة. وهي موضع توافق واجماع وطني.
اولاً:-الأساس الذي ترتكز عليه عملية الاصلاح هو الدستور. لذلك أمر جلالة الملك بإجراء مراجعة شاملة لمواد الدستور، بحيث لا تقتصر تلك المراجعة على العودة الى دستور العام 1952 ـ كما كانت مطالبة الأطياف السياسة ـ بل أمر أن تتخطاه الى وضع بنية دستورية جديدة صلبة، لتكون أرضية لبدء عملية الاصلاح. وقد جاءت التعديلات الدستورية لتحقيق أهداف أهمها:-
أ-إعادة التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وضمان استقلال كل منهما وقدرتهما على القيام بدورهما على أكمل وجه.
ب-التأكيد على عدم غياب السلطة التشريعية بشقيها لأي سبب من الأسباب.وقد حددت التعديلات الدستورية المبادئ العامة لتحقيق هذا الهدف .
ج-إدخال مبادئ حقوق الانسان المعترف بها عالمياً في صلب مواد الدستور.
د-تحقيق الاستقلال التام للسلطة القضائية، وتأكيد مبدأ حق التقاضي على مرحلتين لجميع القضايا. وكذلك اقتصار دور محكمة امن الدولة على قضايا التجسس والخيانة والمخدرات، ومنح الصلاحيات اللازمة للمجلس القضائي الأعلى في تعيين القضاة من دون تدخل أي جهة أخرى.
هـ-إنشاء المحكمة الدستورية ومنحها الصلاحيات اللازمة والاستقلال التام.
و-تحديد حق إجراء الانتخابات والاشراف عليها بهيئة مستقلة للانتخابات.
ز-الزام الحكومة بتقديم الموازنة العامة وموازنة المؤسسات والوحدات المستقلة في وقت واحد.
ثانياً:-وضع قانون للأحزاب يساعد على تطوير الحياة الحزبية، ويعطي الأحزاب، الفرص اللازمة للتكوّن والنهوض والقيام بدورها الوطني.
ثالثاً:- وضع قانون للانتخابات العامة يحقق أعلى قدر من المشاركة، ويمكّن جميع فئات المجتمع وأطيافه السياسية من الوصول الى مجلس النواب. وبذلك يكون المجلس هو المكان الذي تجري فيه الحوارات السياسية والإقتصادية والاجتماعية والثقافية لمعالجة مشكلات الوطن والمواطن.
رابعا:- التأكيد على أهمية إجراء الانتخابات بنزاهة تامة وشفافية عالية، مع السماح بمراقبتها محلياً وعربياً ودولياً.
خامساً:- رفع سقف الحريات العامة من خلال القوانين الناظمة للاجتماعات العامة وإتاحة الحرية التامة للإعلام المهني المسؤول.
سادساً:-إشراك المرأة والشباب في جميع النشاطات السياسة والاقتصادية والاجتماعية والحزبية .
سابعاً:- اقتصار دور الأجهزة الامنية على حماية أمن الوطن والمحافظة على استقراره.
ولايُماري معظم المراقبين والمشتغلين في العمل السياسي في أن الأهداف السابقة قد تحققت بدرجة كبيرة. وبقي الخلاف الرئيسي حول قانون الانتخابات. وهو ما سنناقشه لاحقا.
ونتيجة لهذا النهج الإصلاحي والالتزام بمكوناته ومبادئه، التزاماً تاماً، شهد الأردن، حراكاً سياسياً شعبيا طرح العديد من الأفكار الإصلاحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكان هذا الحراك مثالياً سواء من حيث انضباطه الذاتي أو من حيث أسلوب التعامل الأمني معه.
وكان لغياب تمثيل جميع الأطياف السياسية في مجلس النواب الحالي (بسبب المقاطعة او لأي سبب آخر) دور رئيسي في انتقال الحراك الى تظاهرات سلمية تجوب شوارع بعض مدننا الأردنية، وتطالب بالمزيد من العمل والإسراع في تحقيق برامج الإصلاح المختلفة، خاصة في مجالات ثلاثة رئيسية هي: تنمية المحافظات وتحديد الهوية الوطنية ومكافحة الفساد. وذلك إلى جانب حراكات أخرى مطلبيّة تتعلق بالخدمات العامة وشموليتها ومستواها أو بتشغيل العاطلين عن العمل، أو بالعودة عن سياسة التخاصية وتحسين دخل المواطنين والعاملين. وكل هذه الحراكات مشروعة ومهمة ومحترمة ومقدرة.
ولعل القاسم المشترك بين جميع هذه الحراكات هو المطالبة بقانون انتخاب يتناسب مع متطلبات المرحلة.
وهنا أجد لزاما عليّ أن أبيّن ما يلي:-
أولاً:- إنه من حق أي طيف سياسي أن يطالب بقانون انتخاب يحقق له أفضل الفرص لنيل الغالبية في مجلس النواب. وهذا حق مشروع لأي حزب وواجب عليه.
ثانياً:- إنه من حق أي طيف سياسي أن يحدد مطالبه، ولكن ليس من حقه أن يدعي بأنه يتكلم باسم الأطياف كلها وباسم الشعب الأردني بأكمله.
ثالثاً:-إنه لا يحق لأي طيف سياسي أن يقرر وحده، ما أصبح يسمى ب»نبض الشارع». فالشارع جماد لا نبض له،أما الذين يسيّرون المظاهرات أو ينفذون الاعتصامات، فهم ينتمون إلى مشارب فكرية وسياسية مختلفة في أولوياتها ومطالبها. فنحن نلاحظ أن نبض الشارع في المحافظات يركز على ملفات الفساد والخصخصة والتنمية المحلية، أمّا نبض الشارع الحزبي، فيركز على مسائل الإصلاح السياسي. وتختلف الاتجاهات الحزبية فيما بينها حول البدائل المطروحة في هذا المجال، ربما بأكثر مما تختلف مع التوجهات الرسمية. وهكذا، لا يحق لأحد الادعاء بأنه يمثل نبض الشارع.
كذلك، فالمشاركون في الحراكات، على تنوعها واختلافها هم في النهاية بشر يخطئون ويصيبون ويعبرون عن وجهات نظرهم.وهذا حقهم كما أنه من حق غيرهم أن يختلفوا معهم في الرأي.
رابعاً:- لا يحق لأحد ان يستخدم عبارات مثل «الشعب يريد». فإرادة الشعب تحددها صناديق الاقتراع في يوم الانتخابات العامة. وهي ليست حكراً على فئة دون سواها.
خامساً:- وفي جميع الأحوال، فإن مصلحة الحزب او الطيف السياسي أو أي فئة من أبناء هذا الوطن المخلصين، لا تعلو على مصلحة الوطن مهما كانت الظروف، ومهما كانت المعطيات.
وعلى هذه الخلفية، فإن المتتبع للسجال السياسي حول قانون الانتخابات، يجد أن هناك تمترسا خلف تصورات محددة مسبقاً واصرارا على الحصول على كل شيء أو المقاطعة. وليس هكذا تُبنى الديمقراطيات ولا يتم بهذا الأسلوب تحقيق الاصلاح المنشود.
واذكَر هنا أن المطالب الاصلاحية، بدأت بالعودة الى دستور العام 1952 فجاءت التعديلات الدستورية لتحقق أكثر من ذلك. ثم انتقلت المطالب الى ضرورة وضع قانون انتخاب يلغي الصوت الواحد.
وهنا اختلف ممثلو الأطياف السياسية على البديل. وصار كل منهم يفسره لما فيه مصلحته. وهذا أمر مشروع أيضاً. فمنهم من طالب بضرورة شمول قانون الانتخاب لنظام مختلط يشمل الدوائر المحلية المستقلة والقوائم على مستوى الوطن، ومنهم من طالب بالعودة الى قانون العام 1989 وآخرون وجدوا أن منح صوتين للناخب في الدوائر المحلية المستقلة يكفي لتجاوز مفهوم الصوت الواحد، وآخرون ركزوا الانتباه لا على عدد الأصوات الممنوحة للناخب، بل على نمط تقسيم الدوائر الانتخابية. وهكذا. ومع كل خطوة باتجاه وضع قانون انتخاب توافقي، كانت تخرج علينا مطالبات جديدة مثل ادخال تعديلات دستورية أخرى تساعد طيفا سياسيا او آخر على تولي مسؤولية الوزارة من دون أن يحوز على الأغلبية النيابية ( وهو ما يضمنه الدستور الحالي فعليا) ولكن فقط بكونه يمتلك الكتلة النيابية الكبرى لا غير.
مرة أخرى أقول إن كل هذه المطالب مشروعة، لأنه من حق الأطياف السياسية أن تسعى لتحقيق أفضل الفرص لنجاحها في البرلمان وتشكيل الحكومة.
ولكن كل مطلب يحقق مصلحة طرف، ويقصي، في الوقت نفسه، طرفا آخر، لا يمكن فرضه إلا بوسائل غير ديموقراطية. وهذا مرفوض وغير مشروع. فمتى يتوقف السجال من وراء المتاريس،ويبدأ حوار الإنجاز الذي يحقق مصلحة الوطن؟
أعتقد أننا دخلنا الآن في هذه المرحلة. وكل ما سبقها كان يتم في سياق السعي لتحقيق مصالح الأطياف السياسية الخاصة بها.
لقد بدأت مرحلة الحوار الجاد والهادف والبنّاء. ولكي يكون هذا الحوار كذلك فعلا، علينا أن نتذكر أن أحداً منا لا يحتكر الحقيقة،ولا يحق له إقصاء الآخر.وهو ما يدفعنا، بالتالي، إلى التذكير بالمنطلقات التالية:
أولاً:- الالتزام بأحكام الدستور والحفاظ عليه واحترام مؤسساته.
ثانياً:- الاعتراف بما تم انجازه في مجال الإصلاح، وتحديد ما يتوجب علينا استكماله في مرحلة زمنية معقولة.فعملية الإصلاح مستمرة لا تتوقف.
ثالثاً:- الإدراك التام بأن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تحتاج إلى تضافر جهود كل أبناء الأردن، بأطيافهم السياسية المختلفة، لمعالجتها.
رابعاً:- إن طرفيّ الحوار هما الحكومة بجميع أجهزتها (فالمسؤولية الدستورية تقع على عاتق الحكومة وحدها) من جهة، والأطياف السياسية المختلفة بلا تمييز من جهة أخرى.
خامساً:- الإدراك بأن الحوار يحقق بعض المكاسب لجميع الأطياف، ولا يحقق كل المكاسب لطيف واحد.
سادساً:- وفي حال فشل الحوار ـ لا سمح الله ـ علينا أن نتفق جميعاً على أن نرفع الأمر الى جلالة الملك لأنه المرجع، ولأنه يقف على مسافة واحدة من الجميع،ولان جلالته قائد عملية الإصلاح وأكثرنا علماً، من موقعه القيادي، بمتطلبات فئات المجتمع المختلفة.
سابعاً – أن نقبل جميعاً بقرار جلالة الملك، ونبدأ العمل الجاد للمشاركة في الانتخابات والاعتماد على قدرات كل طيف سياسي في اقناع أبناء هذا الوطن بصحة نهجه ونجاعته ليحصل على أكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب القادم.
إن جلالة الملك هو المرجع والحكَم. لذلك، على جميع الأطياف السياسية أن تفرّق بين استماع الملك لمطالبها ومناقشتها وبين الجلوس في حضرة الملك كمفاوضين. فجلالته لا يفاوض أحدا، بل يستمع الى مطالب الجميع، ويأخذ قراره بعد مراجعة شاملة لمطالب الجميع، بما يحقق أكبر قدر من التوافق الوطني، وصولا الى ما يضمن الحد الأدنى من الإجماع ويحقق مصلحة الوطن في النهج الإصلاحي الذي يحقق الأهداف المرجوة وطموحات الشعب الأردني بكل أطيافه.
نحن اليوم بأشد الحاجة إلى وضع مصلحة الوطن فوق المصالح الفردية والخاصة لأي طيف أو فئة من فئات المجتمع. فلنبدأ هذه المرحلة بجدية وبسرعة، حتى نستدرك ما فاتنا ونفعّل المشاركة الجماعية في عملية الإصلاح وفق الهدف المشترك، وهو إعلاء صرح الوطن.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو