الأحد 2024-12-15 05:43 م
 

رؤية سياسية لحكومة ما بعد الثقة

02:20 م

بقلم: النائب د. زكريا محمد الشيخ - حالة سياسية جديدة لم يسبق أن مر بها الأردن من قبل، تلك الحالة التي تعكس تحول حقيقي في مسيرة الإصلاح السياسي لجهة 'دفن' برلمانات كان لا يعلم أعضاؤها لماذا منحوا أو لماذا حجبوا الثقة، ولم يكن نبض الشارع بحساباتهم ، لأنهم بالأساس لم يضعوا له وزنا يذكر، إلا من رحم الله. اضافة اعلان


المدهش أن كلا الفريقين (الحاجبون والمانحون) كانت عيونهم نحو الشارع الأردني بغية توضيح وتبرير مواقفهم له، فقد إلتقطوا الإشارة بأن بقاء المجلس يعتمد على مدى قدرته الحفاظ على ثقة الشارع بهم.. العيون النيابية إبتعدت لأول مرة في تاريخ الأردن عن لغة المجاملات و'المراضاة' للدوار الرابع أو لـ 'شارع الشعب' أو متنفذين كانوا دوما أصحاب القرار من خارج قبة البرلمان يوجهون البوصلة لمصالحهم الشخصية.

المفارقة أن برلمانات الأردن السابقة كان القرار الصعب فيها هو قرار الحجب، لأنه سيصطدم بأسوار المتنفذين.. ولكن هذه المرة كان القرار الأصعب هو قرار المنح، وهو ما ينبيء بمستقبل سياسي يتطور بشكل مضطرد، يرتقي فيه الأداء النيابي بعيدا عن الضغوطات وإنما القناعات، وعليه فان كلا من منح الثقة أو حجبها لم يخن الوطن، بل أن العديد منهم حجب ومنح لعيون الوطن كل حسب قناعته الخاصة والمعطيات التي توفرت إليه في وقتها، وقد يكتشف بأنه كان على الحق أو خلاف ذلك بحسب تطور الأداء الحكومي، ومدى إيفاء الحكومة بتعهداتها وإلتزاماتها الموثقة بالصوت والصورة، فلم يعد مجالا اليوم لأحد أن يتنصل مما قاله.

إيجابية تسجل للدولة الأردنية بأن جلالة الملك كان جاهزا للتعامل مع كلا النتيجتيين، كما أورد الكاتب المخضرم فهد الخيطان في مقالته التي أبرق بها من الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن وجود جلالة الملك خارج البلاد، والأخذ بنصيحة رئيس الوزراء التي كشف عنها بعد الثقة بأنه نصح جلالة الملك بتأجيل لقاءه مع أعضاء البرلمان قبل التصويت لقطع الطريق على أي مشكك بأن جلالة الملك لم يؤثر سلبا أو إيجابا على إرداة النواب الكرام إنما تركهم لمحض إختيارهم وقناعتهم وإرادتهم، وهو الامر الذي كان مطابقا لما ورد في الأوراق النقاشية الثلاث التي نشرت قبل الإنتخابات وبعدها تمهيدا لتحرير القرار البرلماني من أي ضغوطات، لتكون اللبنة الأولى في آلية تشكيل الحكومات البرلمانية وتطوير الفكرة تدريجيا بما يتناسب مع تطور النضوج السياسي للتجربة.

مجالس الأغلبية المطلقة أو ما بات يعرف بمجالس الـ (111) ولت إلى غير رجعة إن شاء الله، نتيجة تصويت الثقة في البرلمان 'السابع عشر' كانت مختلفة تماما، حبس للأنفاس، ترقب وقلق دون معرفة النتائج وبالتالي واقعية حقيقية بتمثيل شرائح المجتمع المختلفة.. 54.6% صوتوا لصالح الثقة بـ 82 صوت، و 43.4% لصالح الحجب بـ 66 صوت، وهو ما قد ينتج عنه أغلبية برلمانية ضئيلة مؤيدة للحكومة مقابل كتلة معارضة ممثلة لكافة الكتل البرلمانية.. فهل يمهد هذا التقسيم إلى إنضاج وإفراز فكرة جلالة الملك بوجد معارضة تشكل حكومة ظل، وأغلبية برلمانية تتولى مسؤولية الدولة وتتحمل نجاحات أو إخفاقات الحكومة ونتائج قراراتها.

الأمر سيكون أسهل لو أن كافة الكتل إتفقت على قرار موحد لجهة إفراز تيار الثقة وتيار المعارضة، لقلنا حينها بكل أريحية، بأن الكتل التي منحت هي التي يجب أن تتسلم المقاعد الوزارية المرصودة الشاغرة في أول حكومة برلمانية في الأردن، أما الكتل الحاجبة فتشكل حكومة الظل.

أمام معظلة إنقسام كافة الكتل على نفسها في الحجب والمنح، فإن رؤيتي السياسية لحكومة ما بعد الثقة والطريقة التي قد تشكل مخرجا من هكذا مشهد سيكون بأن توكل تلك المقاعد الوزارية الشاغرة التي قد يصل عددها إلى 12 مقعد وزاري إلى النواب الذين منحوا الثقة حتى يتسنى لهم أن يحققوا رؤيتهم ويبرروا دوافع قرارهم من خلال أدائهم الحكومي، أو أن يتم منح الكتل الحزبية كـ 'الوسط الاسلامي' على سبيل المثال حق التمثيل الوزاري من خلال قيادات من الحزب من خارج كتلته البرلمانية وفي مقابل ذلك يشكل النواب حاجبوا الثقة معارضة قوية لهم لمراقبتهم وإثبات رؤيتهم ودوافعهم لحجبهم الثقة ولا يتم توزيرهم في هذه الحالة.

وهذا الامر من شأنه أن يؤسس لمنظومة أخلاقية ومهنية سياسية برلمانية ترتقي لأن تكون ميثاق شرف يتفق عليه الجميع لأخراج مفهوم قرار الثقة من أطاره الشخصي الى مؤسسية يحترمها الجميع.

أنا شخصيا، وحتى لا يفهم من هذا الطرح بأنني وكوني من مانحي الثقة أسعى لنيل مقعد وزاري، فإنني أعلن أن دوافعي لمنح الثقة كانت نظرا لإستجابة الحكومة لأغلبية مطالبي العامة التي لم يكن بينها أي مطلب شخصي أو منفعة ذاتية أو محاولة للجلوس في مقاعد الوزارء، فإنني أعلن بأنني لن اقبل أي مقعد وزاري، على الرغم بأنه لم يعرض علينا كافراد أو كتلة (الوسط الأسلامي) أي مقاعد وزارية أو مساومات ضمن صفقات قيل أنها أبرمت لمنح الثقة.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة