على قد فلوسك

ما زلتُ أتذكرُ مشهداً للفنانين الرائعين الراحلين سيد زيان وعبدالله فرغلي في مسرحية (أبو زيد)..كان فرغلي فيها شخصيّة جشعة جداً ولا يخدم أحداً ببلاش..كل شيء عنده له تسعيرة وثمن حتى كوب الماء ..طلب منه سيد زيان أن يدلّه على مكان تواجد خصمه لأخذ الثأر.. وأن يذهب معه .. فأخذ منه الثمن مقدماً .. وحين وصلا للمكان لم يجدا الرجل المطلوب؛ ولكن فرغلي وضع اقتراحاً لمكان آخر ولكن على سيد زيان أن يدفع .. فأخرج آخر ما تبقى معه من فلوس وهو مبلغ زهيد جداً .. الغريب أن فرغلي لم يرفض المبلغ الزهيد بل أخذه ومشى معه خطوة أو خطوتين وتوقف .. ولما سأله عن سبب توقفه؛ أجابه إجابته التي أريد الوصول إليها .. قال له بما معناه: خلص خلصن فلوسك ..وأنا مشيت الخطوتين على قد فلوسك..!.

نعم؛ على قد فلوسنا .. ولأننا لا نملك كثيراً منها؛ يخرج علينا دهاقنة (الفراطة) ليطلبوا منا ثمن كلّ شيء..كل شيء له تسعيرة ..القيام والقعود..السلام و الوعود..الضحك والسرحان والشرود..لا شيء بلا ثمن في أوطاننا .. حتى المجّان له ثمن .. تخيّلوا فقط تخيّلوا ؟! أن قلت لا ستدفع ثمنها وإن قلت نعم .. وإن قلت (لعم) ..وإن لم تقل شيئاً..! وأنت وأنا .. وأنتم .. وكلنا كلنا .. يقودنا السماسرة وحين تنتهي فلوسنا ..يتخلّون عنا ..لأنهم مشوا معنا على قد فلوسنا ..ولا يعودون إلينا إلا في حالة (تلحلحت الحالة) معنا .. أو يعودون من أجل بيعنا للآخرين الذين معهم فلوس ..!.

نحن أسرى نزور سجّانينا كل يوم ..نطمئن عن حالهم وأحوالهم كل لحظة, نخاف أن نعيش بلا سجون ..بل نخاف أن نعمل أي شيء ولا ندفع الثمن .. نحن نبحث عمن (يقشّطنا) ويسرقنا ويبيعنا في عزّ دين النهار .. ونحن نترجّى السمسار أن يفعل بنا ذاك وزيادة .. لأننا فوق مستوى الموت بشحطة ولكننا تحت مستوى الحياة بكثير..!.
خطأنا ليست منّا..فنحن سائرون على قد فلوسنا .. وفلوسنا في رصيد السماسرة ..لذا .. مشينا خطوة أو خطوتين في ذات الغرفة الضيّقة والمشكلة أنّ الباب مفتوح ..!.