الأحد 2024-12-15 06:33 م
 

فنُّ التأزيم والإلهاء

07:03 م

راتب عبابنة
أضافت حكومة فايز الطراونة لرصيدها الضاغط وديعة كبيرة جديدة لتزيد من الإحتقان وتضيِّق الحريات وتدفع باتجاه تكميم الأفواه وتهندس الصحافة الإلكترونية بتصميم يرضيها ويصب في النهاية في المساعدة بتخفيف أو زوال مصادر الصداع الذي قد تسببه الصحافة الإلكترونية التي غالبيتها تعمل بمهنية كاشفة المستور الذي لا يسر الحكومة عند كشفه. اضافة اعلان

كنا نتمنى على دولة الطراونة أن يكون أكثر فطنة وانتباها خصوصا في ظل الربيع العربي الذي يعني نهاية الإعلام الموجه ونهاية تقليم الأظافر وبداية مرحلة جديدة تتسم بالحرية الإعلامية المسئولة. لكن تمنينا انعكس إحباطا بوضع مسمار فولاذي بجسم الصحافة الإلكترونية للتأكد من تثبيتها في المكان الذي يريده.
لا أعتقد أن هناك من يعارض تشريع قوانين تنظم العمل الصحفي سواءا الورقي أو الإلكتروني أو المرئي أو المسموع والتي تقوم على الإنضباط الأخلاقي والمهنية والإلتزام بالخطوط العريضة التي ترقى بالشأن الصحفي وتكون عونا للحكومة بتعزيز النواحي الإيجابية والإشارة للنواحي السلبية للتحوط لها والعمل على معالجتها.
كما لا أحد يعارض وجود رقابة عادلة تفلتر الغث من السمين مع عدم تناسي دور الصحافة القائم على البحث عن الخبر ونشره وعن المعلومة وإيصالها للناس ضمن ضوابط وأخلاقيات مهنية تحكم حرية التعبير دون تكميم الأفواه ودون فرض قيود مكبلة وضوابط قاسية تجعل الصحافة الإلكترونية مسيرة لمزاج الحكومة لا تنشر إلا ما ترضى به الحكومة ومنتظرة وجبات التلقين.
في الدول المتقدمة والديموقراطية المتخمة من الحريات يتم انتقاد الحكومات والشخصيات العامة دون تحفظ لأن المجتمع نشأ وتربى على أن الشخصيات العامة تهم الجميع ولذلك أصبح من حقهم تقييمها ونقدها والثناء عليها. وهناك صحافة الـPaparazzi المتخصصة بالفضائح والتي صحافتنا تنأى بنفسها عنها وهي الأوْلى بالرقابة ومع ذلك تترك للشخصية المعنية والوسيلة الصحفية. والصحافة الفضائحية ليست مطلبا وهذا تحصيل حاصل لتعاليم ديننا وأعرافنا وتقاليدنا.
وما مطلبنا إلا الحرية المنضبطة وليست المنفلتة والحرية البناءة وليست الهدامة والحرية الكاشفة للحق والحقيقة وليست المنافقة والمستنفعة والمتلقنة. أما الصحافة الإلكترونية المقيدة والتي ترسم مساراتها وخطوطها جهات حكومية مآلها التقلص وبالتالي تتلاشى وتزول لتنفرد الصحافة الحكومية بالساحة وتتغول على العقول مما يعني أن الحقائق والمعلومات والأخبار ونقل الأحداث يتم إخراجها مصاغة من قبل الحكومة التي عودتنا على تلميع نفسها وإخفاء الحقيقة عن الناس مما يعني أيضا امتلاك الحقيقة وحبسها والإفراج عنها فقط متى وكيفما شاءت.
يأتي هذا التخبط في ظل مسلسل الربيع العربي الذي حرك الساكن وزلزل الراسخ وأنطق الصامت. لكن ما يصدر عن الحكومة لا تفسير له إلا أنها لا تريد الإتعاض. ولو أرادت التهدئة واستيعاب الرأي الآخر واحترامه لما أقدمت على التعديل المجحف ببعض بنوده والخاص بالصحافة الإلكترونية. لكنها حاولت اختصار المسافة باتجاه التصادم والمناكفة. وبذلك تكون قد دفعت بالصحافة الإلكترونية نحو نهج المعارضة ومن يعادي أو يعارض الصحافة ولا يحسب لها حسابا فهو بالنهاية مغفل وخاسر أو مدرك لما يصنع سعيا لخلق حالة من عدم الإستقرار تزيد من هموم الوطن والقيادة.
وأي تعديل أو تشريع يمس سقف حرية التعبير والرأي ما هو إلا ضرب من ضروب الفساد والتشجيع على عدم الإقتراب منه. وللحقيقة والتاريخ نقول أن كشف الفساد ومؤسسيه يعود بالدرجة الأولى للصحافة الإلكترونية المملوكة للقطاع الخاص حيث الصحافة الحكومية شبه مغيبة ومقيدة بسلاسل الحكومة. لقد أدت الصحافة الإلكترونية دورا وطنيا خصوصا بعد تفهم الحكومات لما أملاه الربيع العربي وتم السكوت عما لم يسبق السكوت عنه بل كان يندرج تحت الحرام والتمرد والزندقة والتطاول والإنفلات.
جاء ذلك السكوت مدعوما بنوع من إيمان الحكومات بأن الحراك سيخبو وينحسر, والتعديل الذي جاء بمثابة عيدية مع بداية عودة الدوائر الحكومية لعملها بعد العيد, هو مثير جديد ومهيج وذريعة للذين ظنت الحكومة ' واهمة ' أنهم قد ملوا ولم يعد لديهم الإستعداد للنهوض.
توقيت سيء سيدفع لاضطرابات وهزات كنا بغنى عنها لو تريثت الحكومة ولم تتسرع بإجراء هذا التعديل الذي يتقاطع مع حرية التعبير. كما أن هذا يتعارض وبشكل صريح مع ما يسعى إليه جلالة الملك عندما قال يوما ' لن يتم بعد اليوم توقيف صحفي على أثر ما يكتب ' وذلك لا يعني الإنفلات بل ضمن منظومة تنويرية عادلة لا ضرر ولا ضرار بها. ولا ننسى المنظمات الدولية المعنية بالحريات والرأي التي تترصد لكل شاردة وواردة وتمحِّص وتشرِّح لتخلص بالتالي لتحميل الحكومة ما مفاده تقييد الحريات والحد من مصادر المعلومات. وسجلنا لدى هذه المنظمات ليس كما نطمح.
مجلس الأمة مطالب بدراسة التعديل وغربلته وإلغاء كل ما من شأنه أن يقف حائلا أمام حرية الرأي الصحفي فنحن في دولة تزعم الديموقراطية وتحترم الرأي والرأي المغاير ولسنا في دولة اشتراكية شيوعية لا يُكتب في وسائل إعلامها إلا ماترغب به الحكومة مما يعلي شأنها ويرفع شعبيتها.
وإن صادق عليه مجلس الأمة, سيكون قد ارتكب خطيئة تضاف لخطاياه حيث نتوقع منه ألا يكون حكوميا أكثر من الحكومة بل شعبويا لصالح الوطن ولا ينسى دوره الذي وجد من أجله والذي هو من صور الديموقراطية التي تسمح بحرية الكلمة والرأي مع تأكيدنا على الحرية المنضبطة والرأي الصائب الذي يخدم ولا يهدم.
الصحافة الإلكترونية هي جزء من السلطة الرابعة المترجم لسقف الحرية والمرآة التي تعكس الواقع وواجهة الدولة التي تظهر للناس في أقصى القارات وأدناها وهي التي تعطي تصورا للآخرين عن مدى ما يتمتع به الناس من ديموقراطية وشفافية. لقد كنا نتوقع من الحكومة ' الرشيدة ' استمزاج القائمين على الموافع الإلكترونبة من رؤساء تحرير وناشرين وغيرهم من العاملين في المنظومة الصحفية الإلكترونية للإستئناس بآرائهم كونهم المعنيون المباشرون ومن خلفهم القرَّاء والمهتمون. أما أن يفرض التعديل قسرا ودون مراعاة ما سينتج من ردة فعل عن السلطة الرابعة, فذلك يعني الإستخفاف والإستهتار ومحاولة تحقيق مكاسب لطرف على حساب الآخر.
وسيدفع هذا الإجراء بالصحافة الإلكترونية للتكاتف والتلاحم والوقوف صفا واحدا بوجه من حاول سلبها حقها مما سيدفع بالكثير من المواقع للنشر من خارج الأردن وبعبارة أخرى هجرة الأقلام والخبرات وأصحاب الرأي مما يضعف المنظومة الصحفية. وإن تحقق ذلك , لا محالة سنكون أمام نمط ممجوج من الصحافة أقل ما يمكن وصفه بالحكومي, وجميعنا نعرف صدى كلمة حكومي.
مرة أخرى يوضع مجلس الأمة أمام تحدٍ صعب يضاف للتحدي الذي كان بطله باسم عوض الله, وقانون الإنتخاب واتفاقية British Petroleum وغيرها من الوصمات المخزية في سجل هذا المجلس. فهل نتوقع من مجلس النواب أن يثبت لناخبيه أنه لا ينصاع لما تمليه عليه الحكومة ويرد القانون المعثر احتجاجا على تقزيم دور الصحافة الإلكترونية؟؟
خلاصة القول, إن قرارات هذه الحكومة أثبتت وبكل قوة وجرأة ووضوح يشهد لها الجميع أنها لم تأتِ لاتخاذ قرارات تساهم بإيجاد حلول بل قرارات تساهم بإيجاد العراقيل في وجه الإصلاح وتعديل المسارالمتعثر دافعة بكل ثقلها نحو التصعيد والتأزيم وخلق العقبات التي من شأنها التهييج والإحتجاج والتصادم في مناخ سياسي ملتهب يهب وهجه من كل الجهات.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
[email protected]


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة