الأحد 2024-12-15 03:14 ص
 

في بيتنا متعصبون لبرشلونه وريال مدريد!

11:23 ص

كان المقهى الذي اعتدت على ارتياده مساء كل يوم جمعة يغص بالرواد كالعادة، فثمة من كانوا يلعبون الورق في شيء من المتعة الممزوجة بالعصبية، وثمة من كانوا يجلسون الى الطاولات ويتبادلون الاحاديث وهم يحتسون اكواب الشاي والقهوة، وثمة من هم مثلي كانوا يجلسون في زوايا قصية يقرأون الصحف او يتابعون ما يبثه تلفزيون المقهى من مسلسلات وبرامج متنوعة ونشرات اخبارية او يلاحقون المارة في الشارع بنظرات محايدة تعكس شيئا من الملل والكاّبة والضيق في دواخلهم، فيما كان يتحرك في المقهى نادل مرح يوزع المشروبات والقفشات على الرواد الذين اعتاد عليهم واعتادوا عليه. ويمكن القول ان اجواء المقهى كانت عادية ومقبولة في ذلك المساء، تماما مثل كل المقاهي، ولا جديد فيها يمكن ان يثير الاعصاب او يلفت الانتباه. وفجاة انفجر صياح حاد وتصفيق اكثر حدة من مجموعة من الشباب كانو يجلسون قريبا من جهاز التلفزيون الذي تكشف المشهد فيه عن ملعب لكرة القدم فيما اندفع الى الملعب الفريقان المتنافسان، وكان الفريقان اسبانيين هما: ريال مدريد وبرشلونه، واذ اخذ اللاعبون اماكنهم في المستطيل الاخضر وبدأوا يتقاذفون الكرة ارتفع صوت المعلق الرياضي الذي بدأ خافتا رزينا في البداية وهو يقدم اللاعبين ويتحدث عن مهاراتهم واثمانهم واعمارهم وقدراتهم ومغامراتهم العاطفية وغير العاطفية ،ثم لم يلبث ان راح يصيح بحماسة شديدة وهو يلاحق الكرة التي راحت تتنقل بين اقدام اللاعبين في خفة وسرعة وسط تهليل وحماس وصياح الشباب في المقهى الذين انقسموا الى فريقين: فريق مع ريال مدريد وفريق مع برشلونه. والحقيقة انني كنت اسمع عن هذه الموضة الجديدة التي بدأت تتفشى في بعض الاوساط الشبابية عندنا، اقصد التحيز لواحد من هذين الفريقين الاسبانيين، ريال مدريد وبرشلونه، كونهما فريقين عالميين طبقت شهرتهما الافاق ويمارسان اللعب بحرفية عالية. وكنت اعتقد ان ذلك ليس الا نوعا من حب الشباب لهذه اللعبة الشعبية التي تتعاظم شعبيتها يوما بعد يوم في كل ارجاء الدنيا. ولكنني صعقت وانا اراقب الشباب الذين يمكن القول ان هيستيريا غير عادية بدات تتملكهم لدرجة التعصب وهم يهتفون كل للفريق الذي ينحاز اليه، ويتوعدون بعضهم بعضا بالهزيمة. فالمتعصبون لريال مدريد يقولون: سننفوز عليكم3 الى 1 ويرد المتعصبون لبرشلونه: سنمسح بكم الارض، ونفوز عليكم 4 الى صفر. واذ احرز احد الفريقين هدفا في مرمى الاخر- لا ادري حتى هذه اللحظة من منهما – حتى انفجر الشباب يتبادلون التهديد والوعيد والكلمات النابية وكأنهم من اسبانيا وانهم من مشجعي ومتعصبي هذا الفريق او ذاك تماما كما نسمع عن المتعصبين من الاسبان لهذين الفريقين. ولما حميت المباراة وكثرت الاهداف في الملعب فقد الشباب السيطرة على انفسهم وراحوا ينعتون بعضهم باقذع الصفات والشتائم، ولولا تدخل صاحب المقهى والرواد من الرجال العقلاء لدبت في المقهى «طوشة» حامية. انا افهم ان ينحاز مثل هؤلاء الشباب الى فريق اردني ويشجعون هذا الفريق بالهتاف والتصفيق وحتى بالصياح ، لكن ان ينحازوا الى فريق اسباني الى درجة التعصب وفقدان العقل، فذلك والله امر لا يقبله ولا يجيزه مجنون او يتفهمه.هل وصل الحال ببعض شبابنا هذه الدرجة من الانحدار والافلاس النفسي والوجداني والثقافي والوطني ايضا!! وما هي علاقة هؤلاء الشباب بفريق مثل برشلونه الذي دعا الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط لحضور احدى مبارياته!! وما هو موقفهم من هذا الفريق الان!! وماذا لو فاجأنا ريال مدريد بدعوة جندي او مسؤول اسرائيلي ّاّخر لحضور احدى مبارياته!!اضافة اعلان

ظاهرة غريبة ومحزنة ومؤلمة وقاسية وصاعقة وغير قابلة للفهم والاستيعاب ،وبحاجة الى تشريح ودراسة حتى يستعيد مثل هؤلاء الشباب -الذين هم قلة لحسن الحظ في اوساط شبابنا- رشدهم، ويتوجهون ان كانوا حقا من عشاق كرة القدم الى تشجيع فرقنا ومنتخباتنا الوطنية، لا التعصب للفرق الاجنبية.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة