الأحد 2024-12-15 04:44 ص
 

كان بوسع الأنظمة تفادي الربيع العربي

07:35 ص

تدفع الشعوب ومعها الأنظمة الجديدة في البلدان التي نجحت فيها ثورات الربيع العربي ثمن الأرث الثقيل الذي تركته الأنظمة السابقة وهو هذا الفراغ الهائل في الحياة السياسية لشعوبها.اضافة اعلان

كان بوسع الأنظمة السابقة ان تتفادى حصول الانتفاضات الشعبية التي أدت الى سقوطها لو أنها سمحت للحياة السياسية في بلدانها ان تتطور طبيعيا في أجواء صحية من الحريات العامة التي تمكن النخب السياسية والحزبية والثقافية والنقابية من ممارسة حق المشاركة في القرارات وفي الحكم من خلال تطوير النظام السياسي واخضاعه للقانون والدستور.
لم تفعل الأنظمة ذلك وإنما اعتمدت سياسة الدولة الامنية التي تقوم على مبدأ حماية النظام من الشعب وليس حماية الشعب والوطن من الاخطار الخارجية، لو ان مبارك وبن علي والقذافي وصالح أقاموا قاعدة حكمهم على التدرج بالديموقراطية وإقامة دولة القانون لما احتاجت شعوبهم للنزول الى الشوارع بتلك المشاهد التي لن تتكررفي التاريخ.
لقد سارت هذه الأنظمة إلى ابعد حد في خطط تمجيد حكم الفرد وتهميش الطبقة المتوسطة والقضاء عليها وملاحقة الأحزاب والنخب الفكرية والسياسية، وعزلت الرأي العام عن المشاركة في السياسة العامة عبر صناديق الاقتراع النزيهة، وتجسدت السلطة في أشخاصهم وعائلاتهم وتخيلوا انفسهم بانهم يعيشون فوق الغيوم بينما تركوا شعوبهم على الأرض تعاني من مرارة واقع انفصلوا عنه تماماً، واكتفوا بأبراجهم العاجية وسط حلقات من المنافقين ومستشاري المنافع الخاصة.
قبل الربيع العربي ظهرت أقوال لمفكرين مصريين وعرب تصف الحياة السياسية في البلاد العربية بانها تعرضت ( لتجريف ) ممنهج حتى تحولت إلى صحراء مدقعة، لا حياة فيها لأحزاب ولا رأي عام مشارك وفاعل، ودخل المواطن العربي في عزلة إرادية مبتعدا بنفسه عن السياسة والشؤون العامة وكأنه في بلده يعيش بالإقامة غريبا عن الدار. هذ العزلة الشعبية التي امتدت عقودا انقلبت إلى انفجارات الربيع العربي التي حدثت فجأة مثل البراكين.
بسبب سياسة التجريف للحياة السياسية العامة لم يكن للربيع العربي قيادات معروفة لانه انطلق من حالة الفراغ الناجمة عن التجريف السياسي، وبعد زوال هذه الانظمة تحول هذا الفراغ إلى تركة وعبء ثقيل على الأنظمة الجديدة.
وما نشهده اليوم في مصر وتونس وليبيا من جدل ومواجهات تصل حد الفوضى بين أحزاب وتيارات اسلامية وقومية ويسارية هو صراع على تعبئة هذا الفراغ في ظل مخاوف وشكوك يحتفظ بها كل طرف ضد الآخر خشية ان يكون النظام الجديد نسخة منقحة للسابق واستبدال استبداد بآخر.
ومهما يقال في سرد أخطاء الربيع العربي فانه وليد خطأ الأنظمة السابقة التي تجاهلت ارادة الشعوب وفي المقدمة الغاء دور النخب والأحزاب والطبقة المتوسطة في ترسيخ أسس الدولة المدنية وتطورها الطبيعي، وتخطئ أنظمة هذا الربيع ان هي سعت إلى انتاج ديكتاتوريات جديدة لان الشعوب لن تعود إلى العزلة وإيمانها بالحرية والكرامة لم يعد محل مساومة.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة