الوكيل- اعتبر الأمين العام للحزب الشيوعي الدكتور منير حمارنة، أن الخروج من الوضع الاقتصادي المتردي الذي تمر به البلاد، يتطلب إعادة النظر في النهج المتبع، عبر تغيير السياسة الضريبية والتخلص تدريجيا من التبعية لصندوق النقد الدولي، ومراقبة أوجه صرف الموازنة العامة، مهما كانت، بقيادة قوى سياسية قادرة بالأصل على اتخاذ القرارات.
ورأى حمارنة في مقابلة أجراها معه مركز هوية، بدعم من مؤسسة فريدريش إيبرت، وبالتعاون مع 'الغد' أن تحقيق مبدأ الولاية العامة للحكومة وممارسة سلطاتها الدستورية لا يتجسد بدون وجود برلمان قوي.
وأكد عدم شعوره بالندم للمشاركة في لجنة الحوار الوطني، على الرغم من عدم اعتماد مخرجاتها، معتقدا أن مشاركة الإسلاميين فيها كانت ستفضي إلى نتائج أفضل، فيما أشار إلى ضرورة التوجه نحو اعتماد مجلس أمة منتخب بغرفتيه الأعيان والنواب.
في الأثناء، اعتبر حمارنة أن قضية سحب الجنسيات من الأردنيين من أصول فلسطينية يشكل خطرا وغير دستوري، فيما دعا إلى إيجاد حل للقضية الفلسطينية، عبر تثبيت حقوق الفلسطينيين في إقامة الدولة وحق العودة.
وفي الخلافات حول الملف السوري، بين القوى السياسية المختلفة، رأى حمارنة أن الخلاف في المواقف يتأتى نتيجة الأثر الكبير لسورية في المنطقة من جهة، وأهمية ما يجري على الأراضي السورية من جهة أخرى، وبما ينعكس على مجمل حركة التحرر العربية، على حد تعبيره.
وعلى الرغم من أن حمارنة رأى أن معاهدة وادي عربة ظلمت الأردن ولم تضمن له حماية حدوده كما ادعت بنودها، كما ظلمته في موضوع المياه الذي يعد مسألة مصيرية للأردن، غير أنه رأى أن إلغاء أو إعادة النظر في هذه المعاهدة، هو موضوع 'أكبر من طاقة الأردن في الظرف الحالي'، مشيرا، في المقابل، إلى تفهمه لمن يرفع الشعارات المطالبة بالإلغاء.
وأكد أنه يمكن معالجة موضوع المعاهدات مع الكيان الصهيوني في إطار عربي مشترك، مشيرا إلى أن الوضع العربي القائم حاليا، لا يساعد على إعادة النظر حاليا في موضوع معاهدة وادي عربة.
وحول مجريات 'الربيع العربي'، رفض حمارنة تسميته بـ'الربيع'، بل بوصفه 'حراكا حقيقيا'، لافتا إلى أن الشعوب العربية عاشت لعقود في ظل القهر والاضطهاد ومصادرة الحريات، ومن حقها أن تتحرر.
وأضاف أنه توجد في المجتمعات العربية قوى مهمشة، وبخاصة فئة الشباب، الذين وجدوا أمامهم فجأة فرصة ليشتركوا في هذا الحراك، بدون خلفية سياسية أو إدراك سياسي، وكان همّهم أن يرفعوا الشعارات التي توضح أنهم معادون للسلطة.
وفيما يلي نص الحوار:
* لنبدأ بالملف الاقتصادي، حيث نعاني من مديونية عالية، كما أن الأوضاع الاقتصادية العامة وأوضاع المواطنين تزداد صعوبة، ما هي الحلول من وجهة نظركم؟
- الوضع الاقتصادي في الأردن شديد التعقيد، وشديد الصعوبة، والدولة تعيش أزمة مركبة اقتصادية وسياسية، والأزمة الاقتصادية التي نعتبرها ملحّة في هذا الظرف لم تأت عفوا، وإنما هي ثمرة لسياسات الحكومات المتعاقبة، وثمرة لنهج اقتصادي متّبع.
هذا النهج يعتمد على مجموعة عوامل؛ العامل الأول هو الارتباط التبعي بالعالم الخارجي، والثاني، وهو شديد الأهمية، يتلخص في أن موازنة الدولة باستمرار تعتمد على الخارج، سواء عن طريق المساعدات أو عن طريق الديون، والعامل الثالث هو أنه كلما أصبحت الظروف الاقتصادية أكثر صعوبة، تمّ اللجوء إلى جيوب المواطنين وزيادة الضرائب عليهم، والنتيجة عجز كبير في الموازنة، تقابله زيادة كبيرة في الضرائب بمختلف أشكالها، ومديونية عالية يقابلها عجز مستمر في الموازنة، والاعتماد على الخارج بشكل كبير جدا.
والخروج من هذه الأزمة مسألة تحتاج إلى جهد كبير، يجب أن ينصب على التالي: أولا أن هذه الأزمة تعد ثمرة نهج اقتصادي، لذا ينبغي علينا إعادة النظر في النهج الاقتصادي، وثانيا أن في الأردن حالة شديدة الغرابة، فمع كل زيادة في عجز الموازنة هناك زيادة في النفقات، وهناك زيادة في محاولة البحث عن إيرادات، وفي الغالب هذه الإيرادات تأتي عن طريق المديونية الخارجية، وزيادة الضرائب الداخلية، ولكن في الوقت نفسه، هذه السياسة لديها مضمون طبقي يتمثل في الضغوط الهائلة على جمهور المواطنين، والتسامح الكبير مع الرأسمالية المحلية والرأسمال الأجنبي، ولذلك نرى أن السياسة الضريبية مسلّطة ضد الناس، وتعفي كبار الرأسماليين من الاستحقاقات التي تترتب عليهم.
وأنا أعتقد أن في الأردن فئة مرتبطة، وهي جزء من التحالف الطبقي الحاكم، ترى في هذا النمط الاقتصادي وسيلة لزيادة ثرواتها، ولزيادة ارتباطها مع الخارج، على الرغم من كل الأثر المدمّر الذي يحصل في الداخل.
ولدينا قضايا من المهم التوقّف عندها، فعلى سبيل المثال، أكثر من 70 % من العاملين في القطاعين العام والخاص، يتقاضون 400 دينار فما دون شهريا، وهذا يعني أن الوضع صعب جدا، نظرا إلى أن خط الفقر للعائلة أعلى من هذا بكثير، وهذا يعني أن نسبة كبيرة من هؤلاء العاملين يرزحون تحت خط الفقر، فضلا عن الأرقام غير الصحيحة فيما يتعلق بنسبة الفقر.
الشيء الآخر، وهو مهم، أن هذا الأمر يتم في دولة لديها نسبة بطالة مرتفعة، فإذا أخذتَ هجمات غلاء مستمرة، ونسبة بطالة مرتفعة، ونسبة فقر مرتفعة، ويضاف إلى ذلك كله سياسة اقتصادية غير حكيمة، فإن هذا يعني أن الأزمة ستصبح ذات طابع متجذّر لا يسهل التعامل معها.
ولا شك أن هذه الأزمة هي تكرار لأزمة العام 89، فقد عانينا من مديونية عالية لكنها لم تكن في هذا المستوى، ولم تتمكن الدولة من دفع خدمة الدين، فلجأت إلى صندوق النقد الدولي، وقد نتج عن ذلك تخفيض قيمة العملة 50 %، وهذا يعني زيادة تكاليف المعيشة بنسبة 50 %.
* لقد ركزّت في حديثك على تغيير النهج الاقتصادي، فهل نملك تغييره وتحمّل نتائج التغيير؟
- النهج الاقتصادي في أي بلد في العالم هو ثمرة للنهج السياسي بشكل عام، وحتى تغيّر هذا النهج الاقتصادي يجب أن تبدأ بتغيير النهج السياسي. وتحتاج إلى قوى سياسية تأخذ قرار التغيير، وهي ذاتها القوى التي بإمكانها أن ترى نتائج هذا النهج وعواقبه، وما سيترتب عليه. هذه القوى هي واحدة من المسائل الكبرى التي تشكّل في الوقت الحالي أهم اشكال التناقض داخل البلد، تناقض بين من يَحكمون ومن يُحكمون، وبالتالي فإن تغيير النهج يحتاج عملا سياسيا جريئا يؤدي إلى تغيير النهج السياسي، وهو ما يقود حكما إلى تبديل تدريجي في العملية الاقتصادية، ولهذا فإن قانون الانتخاب هو أحد المداخل المهمة لهذا التغيير، إلى جانب الحريات والإصلاحات الدستورية بالطبع، ولكن قانون الانتخاب هو الأهم لأنه قادر على الإتيان بهيئة لها أثر كبير في التشريع والرقابة، وبالتالي فهي قادرة أن تعكس هذا الوجود على إجراء تغييرات سياسية في البلد.
* كيف ستتعامل مع قضايا الفساد؟ هل على مبدأ إعادة الأموال المنهوبة أم على مبدأ 'عفا الله عما سلف'؟
- موضوع الفساد ليس سهلا كما يعتقد معظم الناس، بل هو سمة ملازمة لسياسة الليبرالية الجديدة، ولعمليات الخصخصة. فالخصخصة التي جرت في الأردن وفي العديد من دول العالم، كانت في الوقت نفسه عمليات نهب لثروات هذه الدول.
أما الموقف من الفساد فيتطلب جهدا باتجاهات متعددة: أولها أن تتوفر تشريعات جريئة وصحيحة لإعادة النظر في كل ما تم من خصخصة، وثانيها إعادة النظر في كل المسائل الاقتصادية المثار حولها الجدل، وثالثها تثبيت نهج قانوني شديد الوضوح في التعامل مع الثروة الوطنية، وبدون ذلك يكون من السهل تهرّب الفاسدين، بل يصبح من السهل أن يشكّلوا سلطة لهم.
* هناك جدل كبير يدور حول المؤسسات المستقلة، التي يقال إنها تستنزف نصف الموازنة، برأيكم ما هي الطريقة الأمثل للتعامل مع هذه الهيئات؟
- لقد نشأت المؤسسات المستقلة بهدف –كما يقول أصحابها– تسهيل العمل الاقتصادي والإداري، ومع كل أسف جاءت لتنافس الوزارات وتأخذ جزءا من دورها، ولكن من الظاهر أن الفساد هو القاعدة التي استند إليها إيجاد العدد الأكبر من المؤسسات، لسبب واحد بسيط وهو باعتراف عدد من المسؤولين، أن جزءا من هذه المؤسسات أقيم من أجل أفراد فقط، وبالتالي أصبح فيها حجم عال من الرواتب والأجور، ومن هنا فإن الدولة تقدم لها مساعدة تكلّف تسعمائة مليون دينار سنويا، وبالتالي يجب إعادة النظر في هذه المؤسسات، لأنها أصبحت سخطا على الاقتصاد، ولا سند لها لسببين؛ الأول أن كل ما يتماثل مع عمل الوزارات يجب أن يتم ضمه للوزارات، وكل ما يمكن أن لا يكون له داع يلغى، ولكن هناك بعض المؤسسات لا بد من بقائها، مثل مؤسسة المياه لأسباب تقنية فنية.
* ما هي وجهة نظركم في مجمل السياسة الضريبية في الأردن، وبخاصة الضرائب غير المباشرة منها، وبالتحديد ضريبة المبيعات؟
- هناك نص دستوري يقول إن على الدولة أن تفرض الضرائب التصاعدية، وكان هذا مطبّقا إلى أن بدأ في الثمانينيات الحديث عن السياسة الليبرالية الجديدة والخصخصة، وبدأ يقال إن دور الدولة في الاقتصاد سيقل، ومعنى ذلك أنها تريد إيرادات، فتم اللجوء إلى الضرائب غير المباشرة، وهذه الضرائب، ومنها ضريبة المبيعات، تم تصميمها في مراكز الرأسمالية العالمية، لكي تكون مصدرا للدول التي تنهج نهج الخصخصة، وتتخلص من العبء الاقتصادي، وهذه الضرائب تحل محل الضرائب الأخرى، ما يؤدي إلى تبديل في دور الدولة لتصبح الدولة حارسا للقوانين الجديدة للخصخصة، وللقوانين الرأسمالية الجديدة، ولا علاقة لها بالأعمال الاقتصادية، وفي السوق، وتترك السوق والعلاقات الاقتصادية للرأسمال الخاص، وللقطاع الخاص.
أعتقد أن السياسة الضريبية هي أحد المداخل لإعادة النظر في السياسة الاقتصادية، ويجب العودة إلى السياسة المباشرة، بفرض الضريبة التصاعدية، كما يجب تدريجيا التخلص من الضرائب غير المباشرة، وبالتوازي يجب العودة إلى دور القطاع العام في البلد، فنحن بحاجة للقطاع العام في السوق، وبدون قطاع عام مهم ومؤثر في السوق الداخلية، ستبقى موجات الغلاء متلاحقة، وسيبقى ابتزاز المواطنين متلاحقا، وعندنا في سوقنا الداخلية هناك فئات احتكارية دورها كبير جدا، مثل محتكري استيراد اللحوم، والورق، والكثير من المواد، صحيح هم ثلاثة أو أربعة أشخاص، وهو ما نسميه في علم الاقتصاد احتكار القلّة يتفقون فيما بينهم على كيفية المبيعات، وكيفية الأسعار، وكيفية الأرباح، وتكون الدولة خارج كل هذا، بالتالي دور الدولة مطلوب في هذا الموضوع، وإلا كيف نفهم الارتفاع الفظيع في أسعار الأدوية المستوردة في الأردن، مقابل رخص شديد في الأدوية في سورية!! والسبب أن هناك دورا للدولة في الموضوع، من هنا تعد عودة دور الدولة في الاقتصاد مسألة مهمة، لبناء قاعدة مادية اقتصادية قابلة للتطور، وهذه تحتاج إلى قطاع عام يعمل عليها، وثانيا لتستفيد من الإمكانات المحلية المحدودة، ومن ضمنها إمكانات القطاعين العام والخاص.
* لنعد إلى الموازنة، حيث تقول التقارير إن نصف الموازنة غير خاضعة لرقابة مجلس الأمّة، كيف ستتعاملون مع هذا الموضوع؟
- الموازنة العامة لأي بلد في العالم هي السياسة المالية، وإلى حد ما الاستثمارية على مدى عام، هذه الموازنة يجب أن تتوافر على مجموعة من الشروط، وأحدها التوازن بين الإيرادات والنفقات، وثاني هذه الشروط الإنفاق بموجب الأولويات، وثالثها الاستجابة لمتطلبات ملحّة في داخل هذا البلد، هذه عوامل أساسية تدفع لمراقبة الموازنة، سواء كانت للديوان الملكي أو للجيش أو للقطاع المدني، علما أن التشريع والدستور الأردني لا يعفيان أي جزء من الموازنة من الرقابة!
من هنا تأتي أهمية وجود مجلس نيابي منتخب، يعمل بالتشريع وبالرقابة بشكل جيد، والدستور يبيح للمجلس النيابي مراقبة الموازنة، صحيح أنه لا يسمح له بالتعديل، لكن من حقّه أن يعيدها، وهذا لم يحصل في الأردن أبدا، والسبب أننا في السنوات التي لا بد فيها من مراقبة الموازنة، لم يتكوّن عندنا برلمان أبدا قادر على اتخاذ مثل هذه الخطوات.
* ضمن ظروف اقتصادنا، هل يستطيع الاقتصاد توفير التأمين الصحي، والتعليم المجاني، ومواصلات مقبولة، وجزئيا السكن الكريم للمواطنين؟
- نحن بلد نام وليس فقيرا، ولكنه غير مقتدر، صحيح أن هناك كثيرا من الثروات غير المستغلّة، لكننا بلد غير مقتدر. وأعتقد أن هناك إمكانات حقيقية لمعالجة تدريجية لهذه المسائل إذا جعلنا الإنفاق في البلد والسياسة الاقتصادية والسياسة الاستثمارية معتمدة على مبدأ الأولويات.
يجب علينا أن نعرف بشكل عام أنه لا توجد إمكانية للتقدم ولتخطي المشاكل إلا من خلال تحسين التعليم، فالمعرفة هي مدخلنا لمواجهة كل المسائل، لكن ليست المعرفة السطحية، وليس التعليم المشوّه، وليس التعليم التلقيني.
أما مسألة الصحة فهي مهمة للغاية، ونحن نرى أن حجم الإنفاق على الصحة والتعليم منخفض قياسا إلى دول أخرى، وهذا موضوع يجب إعادة النظر فيه ودراسته بدقة وبعمق، بحيث نصل تدريجيا إلى مرحلة التأمين الصحي، وإن لم يكن شاملا، ولكنه تأمين يغطي غالبية الناس، وبالأساس يجب أن يغطي الفقراء والأرياف والمناطق البعيدة، حتى نحد من الهجرة من الريف والبادية إلى المدن، ونحافظ على التوازن السكاني، والأهم أن نحافظ على كرامة سكان الريف والبادية.
* هل يستطيع الأردن الاستغناء عن المساعدات والقروض الخارجية؟ ولو كنتم في السلطة، ما هي الشروط التي تقبلون بموجبها هذه المنح أو ترفضونها؟
- منذ أن تأسست الإمارة والأردن يعتمد على الدعم، أولا من بريطانيا، ثم على الدعم الأميركي، ثم بعد ذلك لفترة من الزمن اعتمد على الدعم السعودي والمصري والسوري، ثم عاد إلى الدعم الأميركي. قضية الدعم الخارجي للأردن وأثره السياسي مرتبطان بكل السياسات التي عاشها الأردن وما يزال يعيشها حتى الآن، ونحن نقول إن حزبنا يناضل من أجل أردن وطني ديمقراطي وطني؛ بمعنى أردن لديه اقتصاد وطني مستقل، وقد لا نصل إلى هذا في أول سنة او سنتين، وإنما نحتاج إلى فترة زمنية أطول، ولكن هذه الفترة الزمنية يجب أن تستند إلى تغييرات تسمح أن يزداد الجانب الإيجابي وليس الجانب السلبي في وطنية الاقتصاد.
* هل ندمت على المشاركة في لجنة الحوار الوطني، بعد أن كانت هناك ضمانات لنتائج هذه اللجنة، التي لم يعمل بها لاحقا؟
- أنا من النوع الذي لا يندم على عمل سياسي، إذا رأى أنه في البداية مطلوب ومهم، وأنا أعتقد أن لجنة الحوار الوطني كانت عملا مهما ومطلوبا، وأعطت مخرجات، وكان من الممكن أن تكون مخرجات أفضل لو شارك الإسلاميون فيها، لكنهم امتنعوا بحجة أنهم يريدون قرارا وطنيا وليس حوارا وطنيا، بمعنى أن يشتركوا مع النظام للوصول إلى أهداف معينة تسمح لهم بأن يكونوا شركاء في السلطة، وأعتقد أنه عندما تغيّب عنها الإسلاميون بدأ اتجاه في السلطة يبحث عن كيفية إرضائهم، لأن مشاركتهم في العمل السياسي كان مطلبا خارجيا، ومطلبا للقوى الداخلية، باعتبارهم قوة كبيرة في البلد، ويجب أن نعترف بذلك.
في الحقيقة كان الملك ضامنا لأعمال لجنة الحوار، ونحن رأينا أن هناك توجهات لا تريد لهذا العمل أن ينجح، وفي رأيي أن القوى الأكثر تقدما في لجنة الحوار انتزعت نتائج مهمة، ومنها أن يكون النظام الانتخابي في كل المحافظات على أساس القائمة النسبية، وهذا جرى رفضه والابتعاد عنه، وأعتقد حتى الآن أنه الوسيلة الآمنة لتمثيل الناس، وانتخاب مجلس نواب قوي.
* ما رأيك ببعض المطالبات بإلغاء مجلس الأعيان أو إعادة النظر في أسس تشكيله؟
- مجلس الأعيان هو في الأساس مجلس استشاري للملك، صحيح أن لديه دورا تشريعيا محدودا، ولكنه في النهاية قادر على التأثير. ويعتقد البعض أن مجلس الأعيان بكيفية تشكيله المنصوص عليها في الدستور يضمن وجود كفاءات قد لا تتوافر في المجلس النيابي، وقد يكون هذا صحيحا، لكن بعد كل هذا التطور في العالم، وتطور المعرفة وانتهاء الأمية بشكل عام، أعتقد أن وجود مجلس أعيان معيّن أصبح قضية صعبة، ويمكننا استبدال الوضع الحالي بأن يكون لدينا مجلس أمّة من غرفتين، النواب والشيوخ، وكلاهما منتخب، وبشرط أن يكون مجلس الشيوخ أقل عددا، وأن توضع شروط حول من الذي له حق الترشيح.
* كيف تنظرون إلى موضوع الهوية الأردنية، والجدل حول المواطنة، وما يرتبط بذلك من مواضيع، كفك الارتباط على سبيل المثال؟
- كلما زادت الأزمات في المنطقة وفي الأردن، تثار قضية 'الفلسطيني' و'الأردني'، وهناك العديد من الطروحات، منها ما هو محق، ومنها ما هو غير ذلك، أنا أعتقد من حيث المبدأ أن كل من يحمل رقما وطنيا هو أردني، وهذا اسمه رقم وطني أردني وليس رقما فلسطينيا أو غير ذلك، إضافة إلى ذلك فإن هناك قضايا يجب أن تحل خارج إطار الرقم الوطني، وهي قضايا مرتبطة بالعلاقة الأردنية الفلسطينية، فالمطلوب تثبيت أن الأردن قادر على تقديم المساعدة للشعب الفلسطيني في نضاله في المرحلة الحالية، وتثبيت أن القوى الفلسطينية غير متحاملة على الأردن في المرحلة الحالية، وهذا هو المدخل في رأيي، أما موضوع 'أردني فلسطيني' فهذه قضية لن تنتهي، وهي من حيث المبدأ تهدد التطور الوطني في الأردن، وتضرب الوحدة الوطنية، وأرى أن سحب الجنسيات يشكل خطرا، فلا يجوز سحب جنسية شخص يحمل رقما وطنيا، والدستور ينص على ذلك.
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فلها إشكالات كبيرة، ولا تحل هذه الإشكالات في إطار العلاقة الأردنية الفلسطينية وحدها، وإنما تحل في إطار إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وتحصيل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، ومن ضمنها حق العودة، أما تكرار الحديث عن الوطن البديل، فأي وطن بديل يتكلمون عنه؟ إسرائيل تريد أن تحصل على كل شيء إذا استطاعت، وتريد أن تأخذ البديل والأصيل، لذلك أنا أقول إن كل من يحمل رقما وطنيا هو أردني إلى إشعار آخر، فإذا لم يرد هذا الرقم في المستقبل فهو حر، لأنك غير قادر أن تلغي الدستور، والدستور ينص على هذا، أما مسألة فك الارتباط فهذه إجراءات قانونية مؤقتة لكن ليس لها طابع دستوري.
*كيف تنظرون إلى موضوع الولاية العامة، في ظل تعدد مراكز صنع القرار التنفيذي؟
- هناك نص دستوري يقول إن الملك يحكم من خلال الوزراء، والحديث عن الولاية العامة، من حيث المبدأ، القصد منه أن تتوافر لديك حكومة قادرة على القيام بمهماتها الدستورية، ولا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا توافر مجلس نيابي قادر على الحماية، لذلك مطلوب أن تكون هناك سويّة عالية لنظام الحكم الذي يسهر على إيجاده البرلمان، وبدون هذا يكون الحديث عن ذلك شكلا من أشكال المناكفة، ويدور في البلد حديث حول المطالبة بالولاية العامة، وفي رأيي أن الولاية العامة تأتي عندما يكون هناك برلمان يهتم بسلطة تشريع، وبسلطة المراقبة والدفاع عن الدستور، وهنا يتم حسم موضوع الولاية العامة، طبعا الشعارات المطروحة الآن في الشارع، لمناكفة أطراف في السلطة، وهذا موضوع آخر.
* الآن ننتقل إلى السياسة الخارجية، كيف تنظرون إلى اتفاقية وادي عربة؟ وهل تطالبون بإلغائها أم بإعادة النظر فيها؟
- الذين وقّعوا هذه الاتفاقية كانوا يقولون إنهم يريدون أن يضعوا حدودا معروفة للأردن، وأن نضع حدا للعدوان على حدودنا، وأعتقد أن هذه الاتفاقية فيها ضرر حقيقي للأردن، أولا في مسألة الحدود، فجزء من الأراضي الأردنية محتل، وثانيا هناك ضرر فيما يتعلق بالمياه بشكل كبير جدا، وهذا موضوع شديد الأهمية، بالإضافة إلى قضايا سياسية أخرى.
معاهدة وادي عربة جاءت بعد معاهدة كامب ديفيد، وبعد أوسلو، من هنا فإن العلاقات التي بنيت على أساس وادي عربة، وبأنها ستحمي الأردن من العدوان الإسرائيلي ليست صحيحة، وادي عربة لم تحم الأردن، وإسرائيل لم تلتزم بالمعاهدة، كما لم تلتزم بكامب ديفيد أو أوسلو، لذلك فإن الموقف من وادي عربة ليس في إبقائها إو إلغائها، بل في تكوين موقف عربي حقيقي يأخذ على عاتقه، بشكل مشترك، استعادة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني من جهة، واستعادة سيادة الدول العربية على أراضيها من جهة أخرى. أما الحديث عن إلغاء وادي عربة فيعني أن الأردن سينتقل إلى حالة حرب، وهذا كلام غير وارد، ومثال ذلك ما حدث في مصر، التي أعلن فيها الإخوان المسلمون احترامهم للمعاهدة وعدم إلغائها.
أنا لا أدافع عن وادي عربة، وأقول إنها ظالمة ولم تؤد الغرض الذي قيل إنها جاءت من أجله، ولكني أرى أن إلغاءها أو إعادة النظر فيها موضوع أكبر من طاقة الأردن في الظرف الحالي، وهناك من يرفع الشعارات، ولا بأس في هذا، ولكن لا يمكن معالجة هذا الموضوع إلا في إطار عربي مشترك، وإذا نظرنا إلى الوضع العربي القائم حاليا، نجد أنه لا مجال لإعادة النظر الآن في هذا الموضوع.
* كيف تقيمون الربيع العربي؟
أنا لا أريد أن أسميه ربيعا، ولكني أقول إنه حراك حقيقي، فالشعوب العربية عاشت لعقود في ظل القهر والاضطهاد ومصادرة الحريات، ومن حقها أن تتحرر، وفي الحراك هناك مسائل علينا أن ندركها تماما، وهي أنه توجد في المجتمعات العربية قوى مهمشة، وهم فئة الشباب الذين وجدوا أمامهم فجأة فرصة ليشتركوا في هذا الحراك بدون خلفية سياسية أو إدراك سياسي، وكان همّهم أن يرفعوا الشعارات التي توضح أنهم معادون للسلطة، ومنها شعار إسقاط النظام، لكن إلى جانب ذلك، تحرّكت إلى حد كبير، في داخل الشعوب العربية، ميول واسعة للدفاع عن مطالبها المعيشية والاقتصادية واستقلالها. وفي الوقت ذاته، هناك قوى تريد أن تسخّر هذا الحراك في اتجاهات معيّنة، أولا في ضرب القوى السياسية القديمة والجديدة، بحجة أن ليس لها دور، ولم تقم بعمل شيء، مع أني أرى أن الحراك استند إلى ما قامت به الأحزاب السياسية واستفاد منها، والشيء الآخر دفع الحراك إلى مزيد من المبالغات، وهذا ولّد شدا عكسيا، من خلال رفع الشعارات المتطرّفة، وأعتقد أن الحراك العربي لم ينته وإنما بدأ الآن، صحيح أن تلك كانت موجة واسعة لا بد منها بعد سنوات من القهر، ولكن الآن هناك العديد من القضايا على بساط البحث، بخاصة بعد إعادة تشكيل الأنظمة في مصر وتونس، فهناك مسألة الحريات، والمجتمع المدني على سبيل المثال، وإذا تابعنا التغييرات التي حصلت في مصر منذ سقوط مبارك إلى الآن، سنجد أن الولايات المتحدة لم تغب عن أي تغيير من هذه التغييرات، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية أو تبديلات المجلس العسكري، ونحن نرى الآن الوضع في سورية، فقد رفع الشعب شعارات تتعلق بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ونحن نؤيد هذه المطالبات، لكن نرى أن هناك قوى ركبت على هذه المطالبات لتغيير الخريطة السياسية في المنطقة.
* لماذا هذا الانقسام الشديد في الأردن حول الموضوع السوري تحديدا؟ ولماذا غاب الموقف الواضح عن القوى القومية واليسارية؟
- هذا له علاقة بطبيعة العلاقات التاريخية الأردنية السورية، وطبيعة العلاقات الاقتصادية، والترابط السكاني، فهناك قوى سياسية تريد من الأردن، حكومة وشعبا، أن يقف مع قوى التدخل الأجنبي ومع الجيش الحر، وهناك قوى أخرى تقول إنها مع النظام السوري، وهناك أيضا قوى عقلانية تقول إنها مع مطالب الشعب السوري، ولكن ضد المؤامرة والتدخل الخارجي، وهذا الانقسام لن ينتهي وسيبقى مستمرا، لكن علينا أن ندرك أن هذا الانقسام له مدلولان كبيران؛ أولهما أثر سورية الكبير في المنطقة، والثاني أهمية ما يجري في سورية وانعكاسه على مجمل حركة التحرر العربية، وأعتقد أن التطوّرات في سورية مهمة، ولن يعود الوضع فيها كما كان سابقا أبدا، مهما كانت الظروف، وبغض النظر عن النتيجة، ولكن يجب أن يمنع إخضاع سورية للقوى التي تأتي من الخارج، لأن هذا يعني ضربة كبيرة لكل البلدان العربية.
أما المسألة الملحة الآن، فهو أن على الشعب السوري وقف العمل الدموي من جميع الجهات، والجلوس إلى طاولة الحوار، والاستجابة إلى مطالب الشعب السوري، وهذا هو الحل الوحيد.
'لو كانوا في السلطة' هو مشروع ينفذه مركز هوية بدعم من مؤسسة فريدريش ايبرت وبالتعاون الحصري مع 'الغد'، وهو عبارة عن لقاءات مركزة وعميقة يتم إجراؤها مع قياديين في الأحزاب والتيارات السياسية الرئيسية في البلاد أساسها عنوان واحد هو 'لو كنتم في السلطة'.
تعتمد منهجية اللقاء على توجيه اسئلة تتعلق بالملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الأحزاب والتيارات، على أن تكون الإجابة مبنية على فرضية أن الحزب أو التيار هو فعلا في السلطة، وبالتالي فإن المحصلة النهائية هي معرفة السياسات التي سينتهجها هذا الحزب أو التيار للتعامل مع هذه الملفات فيما إذا كان يوما في السلطتين التنفيذية أو التشريعية أو كلتيهما.
الغد
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو