السبت 2024-12-14 08:15 ص
 

لماذا تفكر في الهجرة؟!

10:47 ص

نكأ الصديق والزميل عمر عياصرة، في برنامجه الإذاعي صباح أمس، جرح العشرات من المتّصلين، الذين فتحوا قلوبهم وفجّروا همومهم واحتقانهم المتراكم، وذلك عندما طرح السؤال المؤلم: لماذا تفكِّر في الهجرة؟ وهو السؤال الذي كانت قبل ذلك الزميلة غادة الشيخ قد طرحته في برنامجها على موقع 'الغد'؛ فكانت النتيجة أنّ الأغلبية العظمى تفكّر في السفر، للظروف الاقتصادية الصعبة، والضغط النفسي، وعدم الشعور بأنّ هناك أفقاً مستقبلياً لتغيير هذه الصورة القاتمة. وربما أغرب تعبير هو لشاب صغير، فسّر ذلك بالقول: 'لأننا مخنوقون'!اضافة اعلان

بالضرورة، لم تُخفِ نسبة كبيرة من المتّصلين (مع العياصرة) دور الظروف الاقتصادية؛ من ارتفاع الأسعار، والفقر والبطالة، وعدم القدرة على توفير فرصة الحياة الكريمة لأبنائهم وأسرهم مع هذه الفجوة التي تتسع يوماً بعد يوم بين متطلبات الحياة وشروطها المتنامية والمتصاعدة وبين دخولهم المتآكلة!
بالرغم من أهمية الظروف الاقتصادية في تفسير هذا النزوع الكبير نحو الهجرة والخروج من البلد، إلاّ أنّ ما بدا أكثر حضوراً وتأثيراً في المداخلات التي استمعنا إليها، هو الشعور بالظلم، والناجم بدرجة كبيرة (وفقاً لهذه الآراء) عن غياب ميزان القانون، واختلال المساواة، ومزاجية الدولة في التشريع والإدارة، وحتى السياسة؛ ما ولّد حالة متنامية من الاحتقان والغضب!
أحد المتقاعدين من الدولة تحدّث عن راتبه الشهري (الذي يبلغ حدود 300 دينار)، وتساءل كيف يعيش ويعيل أسرته، وأجرة المنزل الذي يقطنه بحدود 200 دينار! لم يتمالك الرجل نفسه فأخذ بالصراخ، عندما أكّد بأنّه لا يستطيع تأمين أجرة النقل لابنته في الجامعة، فقط من أجل تأدية امتحاناتها الفصلية!
شخص آخر طرح السؤال معكوساً: لماذا لا نفكّر في الهجرة، وأغلب ما يحدث حولنا يدفع إلى الإحباط واليأس والشعور بغياب العدالة؟ عندما يفقد طالب مجتهد في الثانوية العامة حقه في مقعد في إحدى الكليات بسبب النسبة الكبيرة من 'الكوتات'، وعندما تسرق الجامعات أو الحكومة حق طالب متفوق تماماً في الجامعة في المنحة فتعطى لأشخاص آخرين، وعندما يتم سؤال الشخص في أي مؤسسة حكومية عن 'بلد الأصل والمنشأ'، فلماذا لا يفكّر الشباب بالهجرة والاغتراب والعمل في الخارج، والبحث عن دولة تعاملهم بالقانون وفق معيار الكفاءة والقدرة؟
أعجبتني مداخلة أخرى رفض صاحبها القبول بادعاء المسؤولين دائماً بأنّ من يمنع أبناء البلد من العمل هي ثقافة العيب. إذ أشار إلى أنّ المشكلة في بيئة العمل وقانونه وأنظمته التي لا تمنح العمال والعمالة الوطنية الحقوق المطلوبة، والأجور التي تتناسب مع حجم وعبء العمل، وتسمح بالعمالة الوافدة بأجور أقل بكثير. وهذا سبب رئيس من أسباب البطالة في البلاد التي تفيض بمئات الآلاف من العمالة الوافدة!
ثمّة قصص وهموم كثيرة استمعنا إليها. وأنا واثق بأنّ القارئ العزيز لديه مثلها من الشجون والآهات. إلاّ أنّ الموضوعية والإنصاف يقتضيان منّا الاعتراف بأنّ أسلوب شيطنة الحكومة وتبرئة المواطنين دوماً ليس هو مفتاح الخروج من هذا المزاج الجمعي المتشائم!
صحيح أنّ الحكومات المتعاقبة والسياسات غير المتوازنة تتحمل شطراً كبيراً من المسؤولية عن هذا المزاج العام، إلاّ أنّ المواطن والمجتمع يتحملان أيضاً شطراً لا يقلّ أهمية عن هذه الحالة التي وصلنا إليها. فالمجتمع المدني شبه نائم ومعطّل، لا يعمل على التخفيف من الحالة السلبية؛ والأكاديميون والمثقفون والتكنوقراط مستنكفون عن أيّ دور مجتمعي إصلاحي!
صمت المجتمع، وعدم فعالية المواطنين، وسلبية الطبقة الوسطى في مواجهة انهيار السلطة الأخلاقية للدولة والقانون، هي من أهم الأسباب التي تضخّم من الآثار النفسية السلبية الراهنة، وتدفع إلى الهجرة!


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة