الأحد 2024-12-15 09:22 م
 

ليس لدي ولد .. ! بقلم م. عبدالرحمن "محمدوليد" بدران

04:24 م

بعد غيابي عن أرض الوطن لأعوام عدة، تنقلت فيها بين العديد من بلدان العالم، دخلت المنزل الذي طالما جمعني مع صديق العمر، ثم دلفت إلى غرفته مسرعاً، لأجده يجلس وهو يدافع دموعه، فتوقعتها دموع الفرح لرؤيتي، ولكن ..... اضافة اعلان

بعد أن جلست معه وعرفت قصته عرفت حقيقة هذه الدموع، قال لي: تزوجت منذ 10 أعوام، كنت وزوجتي أحلى من السمن والعسل، عشنا أياماً أروع من الأحلام، وأحلاماً أحلى من الخيال، مرت الأيام سريعة، ووجدت نفسي أكبر وليس لدي من يخلفني، وزوجتي تعيش في عذاب الأمومة التي تتمناها كل لحظة، ببساطة ليس لدي ولد إلى اليوم !
كان يتكلم وهو يدافع عبراته، قال أنه كره الدنيا، بعد أن إنفصلت عنه زوجته، وخسر كل شئ حوله، حتى نفسه خسرها بعد أن أدمن المخدرات، قال ذلك وإندفع باكياً بحرقة، وعندما إنتهى من كلامه نظرت إليه، وقلت له: هل لي بطلب صغير؟ قم وتوضأ لتصلي ركعتين شكر لله عزوجل، فنظر إلي مشدوهاً وقال: ركعتين شكر لله !!!!! على ماذا !!!! قلت له يا رجل إستغفر ربك، وقم لتصلي ثم نكمل حديثنا، ثم أخبرك لماذا، فقام وتوضأ وعاد إلي بعد أن صلى الركعتين، جلس ناظراً إلى فسألته هل تعرف عروة بن الزبير؟ إستغرب السؤال، وقال لي لم أسمع بمثل هذا الإسم من قبل؟ فقلت له إذن إسمع وأحكم بنفسك.
خرج عروة بن الزبير إلى الخليفة الوليد بن عبدالملك، فوجد في الطريق ألماً في رجله، ثم ظهرت عليه أعراض الأكلة 'الغرغرينة'، فوصل إلى الخليفة وهو يحتمل الوجع، فأجمع الأطباء على وجوب نشرها وإلا قتلته، فلما دعي الجزار ليقطعها قال له: نسقيك خمراً حتى لا تشعر بالألم، فقال: لا أستعين بحرام على ما أرجو من عافية، ولا أحب أن أسلب عضواً من أعضائي وأنا لا أجد ألم ذلك فأحتسبه، فوضعوا المنشار على ركبته اليسرى فنشروها بالمنشار، فما حرك عضواً عن عضو، وصبر حتى فرغوا منها، وهو يهلل ويكبر، ثم إنه أغلي له الزيت في مغارف الحديد فحسم به، ثم غشي عليه، وهو في ذلك كله كبير السن، وإنه لصائم فما تضور وجهه، فأفاق وهو يمسح العرق عن وجهه، ولما رأى رجله وقدمه في أيديهم، دعا بها فتناولها فقلبها في يده، ثم قال: أما والذي حملني عليك أنه ليعلم أني مامشيت بك إلى معصية، وكان معه في سفره ذلك إبنه محمد، ودخل محمد إصطبل دواب للخليفة الوليد، فرمحته دابة فخر ميتاً، فأتى عروة رجل يعزيه، فقال: إن كنت تعزيني برجلي فقد إحتسبتها، قال: بل أعزيك بمحمد إبنك، قال: وماله؟ فأخبره، فقال: اللهم أخذت عضواً وتركت أعضاء، وأخذت إبناً وتركت أبناء، فكان الوليد بن عبدالملك يبحث عن وسيلة يخفف بها مصيبة عروة، فجاءه رجل ضرير يزوره، فسأله الوليد عن سبب كف بصره، فقال: قصتي وخبري عجيب، لم يكن في قومي رجل أوفر مني مالاً ولا أكثر أهلاً وولداً، فسرت يوماً بمالي وعيالي فطرقنا سيلاً لم نر مثله قط، فذهب السيل بمالي وأهلي وولدي، ولم يترك لي غير بعير واحد، وطفل صغير حديث الولادة، فهرب البعير فتركت الصغير على الأرض لكي ألحق بالبعير، فما جاوزت مسافة إلا وأنا أسمع صيحة الطفل، ورأسه في فم الذئب وهو يأكله، فرجعت لكي أنقذه من الذئب فحمله الذئب وهرب به بعيداً، ثم رجعت للبعير لكي أنجو بنفسي، فلما قربت منه رمحني على وجهي رمحة حطمت جبيني وذهبت ببصري، فصرت يا أمير المومنين في ليلة من غير أهل ولا ولد ولا مال ولا بصر !فأرسله الوليد لعروة بن الزبير ليقص عليه قصته، وليعلم كل صاحب مصيبة أن في الناس من هو أعظم منه بلاء.
نظرت إلى صديقي بعد الإنتهاء من القصة لأجده غارق في دموعه، فقلت له يا صديقي: كنت تبكي وتقول ليس لدي ولد يحمل إسمي من بعدي، فهل عرفت سبب ركعتي الشكر الآن؟ ثم هل نسيت سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم الذي فارقنا ولم يترك ولداً يخلفه ويحمل إسمه، بل وأكثر من ذلك رزقه الله بثلاثة أولاد دفنهم كلهم بيديه صلى الله عليه وسلم، فهل أصعب من هذا؟! تذكر دائماً قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 216، وقوله عز وجل: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} سورة النساء الآية 19.
لننظر دائماً إلى نعم الله علينا، فأقلها أن منحنا لساناً نستطيع به أن نترك أطيب الأثر، والذي ربما يبقى بعدنا دهوراً عديدة، وسنوات مديدة.

م. عبدالرحمن 'محمدوليد' بدران

[email protected]




 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة