الأحد 2024-12-15 06:47 م
 

ليلة سرقة الجسر

03:46 م

هاني البدري - هناك من يرغب بسرقتنا طوال الوقت ..فعيونهم لا تبرح أشياءنا الصغيرة التي قامت على ظهر أعمارنا وتجاربنا، تكبر عيونهم حاجاتنا، لأننا فيها أيضا أصغر بكثير مما نعتقد. اضافة اعلان


أتحدث أولا عن جهة منظمة، تحركت وبشكل مدروس، مستخدمةً ملائمة التوقيت والتخطيط، وخرجت في وضح النهار لتفكك جسراً للمشاة في شارع مكة لم يقام أصلا إلا بعد أن أُزهقت في تلك النقطة ارواح شباب، كان أخرهم من تركة قاتله يغرق في دمه وسط الشارع وهرب..

تماماً مثل ذلك الأخر الذي قام بدور المقاول الوهمي في مسرحية سرقة الجسر الذي ما ان استشعر برجال الأمن في المكان. حتى هرب تاركاً وراءه ’زملاءه في اللعبة، وبقايا جسر مشاة، وحكاية لم يفهمها احد،بعد أن تضاربت الروايات بين الأمانة وأهالي المنطقة والمؤسسة التي أقامت الجسر كجزء من حملة لتحقيق السلامة المرورية العامة.

متنفذون كانوا وراء القصة، أو رجال أعمال في المنطقة يقلقهم وجود جسر المشاة ولا يرغبون ببقاءه، او موظفون مرتشون أو حتى بائعي خردة..!!

المهم أن الشعب الاردني بات يتعرض كل صباح لانواع جديدة من السرقة بعد ان تعرض بالفعل لسرقة منظمة لثرواته الطبيعية ولمقدراته ولمنشأته واكثر..

الم تُسرق اصواتنا في الانتخابات، ونُهبت ارادتنا فيمن يمثلنا في النيابة والبلديات ,الا تُسرق مياهنا صباح مساء، مرة من جيراننا غرباً قبل أن تصلنا، ومرات من متنفذين وضالعين في الدولة لتغطية مصالحهم واعمالهم..

اتذكر اننا كنا نصور في منزل مسؤول منذ سنين، فاحترنا وقتها بأي ركن من اركان المنزل نصور بعد أن وجدنا أن كل زاوية في البيت هي بقعة تاريخية او اثرية باعمدتها الكورنثية وتماثيلها وقطعها النادرة.. نرى تاريخنا يُسلب ايضا ونستغرب ان يُقدم اخرون على سرقة جسر مشاة..؟!

بعيدا عن العيون يا سادة، تسقط كل القوانين وتجد المصالح طريقها لتعلو فوق رؤوس العباد، والا فأين كنا طوال السنوات الماضية حين افقنا على كل هذا الفساد المستشري في شرايين البلد، وحين وجدنا انفسنا وجها لوجه مع لون جديد من السرقة فيها قوانينها واحترافيتها وانظمتها وجماعاتها.

وسرقة جسر المشاة ما هي الا صورة كاريكترية نادرة لما يجري الان من فظائع تكاد تفترب من افلام الاكشن الامريكي، حيث الاحتراف والتخطيط الجديد، والا كيف يدخل مجموعة من الشباب محملين بجهاز تكييف ومعدات تركيب وامام العيون.. الى احد محال المجوهرات وهكذا جهاراً، يحملون مسروقاتهم الذهبية وجهاز التكييف.. ويغادرون

الا يرقى هذا لان يكون فيلما هنديا ايضاً..؟!

لعله قدرنا ان نبقى مكتوفي الايدي امام كل تجارب السرقة والنهب التي تُجرى علينا في الخارج والداخل والا فكيف ذهبت اثاراتنا ووثائقنا التاريخية ولفائف البحر الميت الى اسرائيل دون ان نعمل على ما يعيد لنا تاريخنا.

بعيداًعن العيون تُسرق الكهرباء من أعمدة الشوارع، لتكلف شركة كهرباء الملايين، فنضطر نحن المواطنون ان ندفع وبسخاء لتغطية نفقاتنا ونفقات غيرنا.. وبعيداً عنها ايضاً تُقَّطَّعُ كوابل الكهرباء والاتصالات لتباع في اسواق الخردة بالكيلو.. أتعرفون كم عدد (المناهل) التي اقتلع (مجهولون) أغطيتها الثقيلة وابقوها مفتوحة في الشوارع لتباع وزنا في اسواق الحديد ؟!
نحن من سيدفع بدل الجسر الذي كاد يُسرق، والماء والكهرباء المسروقة والكوابل واغطية ( المناهل) والارض والوثائق وكنوز الارض الاردنية والقروض والمؤسسات المنهارة والبورصة سندفعها عاجلا كان ام اجلا وبرغبتنا او رغما عنا وبقرارات ما، بدأنا نرى بشائرها الان..
ثمة من يريدنا دائما مسروقين وإلا فمن سرق مقدراتنا ودورنا وثقافتنا وهويتنا وتعايشنا وعزميتنا.. واولادنا , والان يرون ان سلامتنا حتى.. اكثر مما نستحق فيخططون لها.

ذكرتني واقعة الجسر، بحكاية حدثت في عاصمة عربية اثناء احد المشاريع الانشائية الكبرى، حينها استقدمت شركة فرنسية رافعة عملاقة ، امضى العاملون اسابيع طويلة في بناءها.. وبعد عطلة نهاية الاسبوع فوجئ العمال والمهندسون باختفاء الرافعة..

وقتها نشرت الشركة الفرنسية اعلانا في الصحف.. انها تسامح بالرافعة ولاتريد ممن سرقها اعادتها، لكنها طلبت منهم فقط اعلامها فقط بالاسلوب المحترف الذي استطاعوا به تفكيك رافعة بهذا الحجم خلال 48 ساعة لتعليم عمال الشركة..؟!
اتوقع اعلانا يقول.. ( دورة مكثفة بعنوان) 'تعلم كيف تفكك جسرا في ساعات دون معلم. والمقاعد محدودة'.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة