الأحد 2024-12-15 12:44 م
 

ماذا يحدث في معان ؟

02:01 م

الإصلاح لن يجدي نفعا إن لم نستطع إدخال تغييرات جوهرية في اقتصادات المجتمع

لم أجد من حل مقبول لمطالب أهل معان إلا ما جاء في الورقة النقاشية الرابعة التي اطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين امس، والمعنونة بـ ' نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة' لما حوته من افكار مهمة يمكن أن تكون مدخلا وحلا للكثير من المشاكل والمطالب المطروحة في محافظة معان وكل محافظات المملكة التي تعاني من اختلال المعايير في التعامل مع المواطنين ومناطقهم.اضافة اعلان

والآن ماذا يريد أهل معان؟
منذ عام 1989 يصيح أهل معان بالمطالب نفسها، إيصال مكاسب التنمية وتوزيعها بعدالة يمكن ان يُحسّنا من مستوى معيشة الناس، من حيث نوعية الخدمات وكميتها و إيجاد فرص استثمارية حقيقية تستطيع فتح أسواق عمل واستيعاب الخريجين الجدد، فمحافظات الجنوب تعاني من غياب واضح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وما رافقها من انحباس في الأمطار وما يجره ذلك من أخطار اجتماعية وبيئية كبيرة أثرت في حياة الناس ونفسياتهم.
نعم أهل الجنوب عاتبون على الدولة ، لان الليبرالية الجديدة التي سيطرت ردحا من الزمن بعدما استطاعت تغيير دور الدولة وحولته من دور مهم في حياة الناس الى دور 'الجابي' و المتفرج، والحقيقة أن علم الاقتصاد يؤكد أن علاقة الدولة بمواطنيها ومدى قربها او بعدها منهم يقرره شكل دورها الاقتصادي ، ولا شك أن سيطرة الدول على الاقتصاد هو أساس استقرارها وامنها من خلال شبكات الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية التي تبقي على العلاقة الدافئة مع المواطنين.
وبالمناسبة مهما اجتهدت الدول والحكومات في تغيير أفكار المجتمعات وتطويرها ومهما دفعت في سبيل ذلك من مؤسسات وأموال وأساليب مبتكرة، لن تجدي نفعا إن هي لم تستطع ادخال تغيرات جوهرية في اقتصادات تلك المجتمعات.
فهل يلام أهل المحافظات الجنوبية الثلاث إن خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بحياة افضل ؟ والله لا يلامون. فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لم تعد تسر أحدا في تلك البيئات الطاردة للسكان ، هل نلوم سكان معان وجرف الدراويش و حمود واللجون والجفر وغيرها على عصبيتهم الزائدة ؟ فالظروف أقوى منهم وحياتهم أصعب مما يتصور الناس.
وفي المقابل تخطئ الدول إن هي اعتقدت ان القضية مع المواطن تتركز على استعادة هيبة الدولة، فالقضية مرهونة بالقرب والبعد عن المواطن فلا يمكن للدولة ان تستعيد هيبتها بحملات أمنية إن كانت غائبة أصلا عن المواطن ومصالحه، لان هيبة الدولة يفرضها وجودها وليس غيابها عن مسرح العمليات اليومية.
يخطئ من يعتقد ان مشكلة الدولة مع العشائر وان الحل يتمثل بضربها، فالعشائر تشكل عصبية النظام الأردني الذي لا بد منه في بناء أية دولة والمحافظة على هويتها واستمرارها، وعصب الدولة يمكن ان تحمله العشائر مثلما تحمله الأحزاب او الأقليات او المؤسسات، لكن لا يمكن أن تبقى دولة من دون ان تسند النظام السياسي، لكن الأساس ان يتم تطوير تلك المعطيات من أشكالها البدائية الى أشكال اكثر مرونة وتوازن وتجانس.
فما الحل؟ هل هو في الخروج للشوارع والتكسير والتخريب ؟هل هو في إطلاق النار على قوات الأمن؟ هل هو في انذار الدولة واتخاذها عدوا ؟ هل هو في اعلان العصيان المدني؟
الجواب يمكن قراءته في الورقة النقاشية التي طرحها جلالة الملك عندما يقول ان هدف الإصلاح هو 'تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار' وان مبدأ الالتزام والمشاركة جوهر'المواطنة الفاعلة' التي لا ترتكز الا على: حق المشاركة وواجب المشاركة ومسؤولية المشاركة الملتزمة بالسلمية والاحترام المتبادل، والمشاركة هنا لا تقفز على الوقائع، بل تأخذها بالحسبان لأن المشاركة المقصودة هنا لا يمكن ان تكون على بطون جائعة أو مهمشة.
والمطلوب من الدولة اليوم ان تكون اكثر قربا من الناس وتفكر بمنهجية فعالة ، فكما استفادت الدولة في اواخر عقد التسعينيات الماضي من دراسة ميدانية اعدها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، فإننا اليوم أحوج الى تحديث تلك الدراسة من اجل وضع فرضيات وحلول لكل مشاكل المحافظات الجنوبية وإعادة انتاج النظام ليتواءم و متطلبات مرحلة التغيير والإصلاح التي يعرف فيها كل مواطن ومسؤول دوره وحدوده.

 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة