الأحد 2024-12-15 06:49 م
 

ما الحلقة الغائبة في تشكل المجتمعات واستقلالها؟

01:15 م




بشأن غياب المجتمعات وتهميشها، يفترض أن يكون هناك جدل طويل؛ حتى لا تكون الانتخابات والعملية السياسية تعمل ضد هدفها المفترض، وتتحول لصالح أقلية احتكارية منعزلة! إذ لا يمكن، ولا يفترض أن تعمل الحركات السياسية والاجتماعية الإصلاحية بالنيابة عن المجتمعات. ومن دون تشكل المجتمعات حول مصالحها وأولوياتها، يزداد العمل الإصلاحي صعوبة.اضافة اعلان


والأسوأ من ذلك أن الانتخابات النيابية والعامة تفقد معناها، وتتحول من تنافس بين الأفكار والاتجاهات لصالح المواطنين، إلى صراع بين النخب والمجتمعات. وفي مجال المصالح، تتحول من تنافس بين الشركات لصالح المستهلك، إلى تنافس بين الموردين والمستهلكين. والأسوأ من ذلك كله، أنه يغلب على المجتمعات والمهمشين والمستضعفين عدم الإدراك للمصالح والأولويات، والعزوف عن العمل في الاتجاه المفترض أن يؤدي إلى تشكل الأفراد والمجتمعات والمصالح باتجاه التأثير على السياسات والتشريعات. وإنه لمن العجب كيف يندفع الناس في بطولةٍ وحماسة إلى المواجهة، بلا خوف من الموت، لكنهم يتقاعسون عن التجمع السلمي والعقلاني لأجل كرامتهم وتحسين حياتهم!


يفترض أن القطاع العام يقدم فلسفة ورؤية للمؤسسات وتنظيمها وإدارتها. وفي ذلك، تتشكل قيادات اجتماعية قادمة من العمل الرسمي يعرفها المواطنون، ويعرفون خياراتهم عند انتخابها في إصلاح الموارد العامة وإدارتها وتنظيمها. وبذلك، تتشكل التيارات المؤمنة بالدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة، من المحافظين والوطنيين واليساريين، والتي تعكس ثقافة المؤسسات العامة وإدارتها وتأثيرها. هل يملك المواطنون معرفة وخيارات عملية يرجحون بها بين القيادات الاجتماعية القادمة من القطاع العام؟ هل يملك القادمون من العمل العام؛ من الوزراء والمديرين والموظفين، فرصة للنجاح الانتخابي بناء على رؤيتهم وتجربتهم في العمل العام؟


يفترض أن تقدم الأسواق والمصالح والأعمال التجارية والمهن، تيارات وقيادات اجتماعية وسياسية، تنشئ حول الازدهار برامج وأفكارا قائمة على الإيمان بالإبداع والحريات والفردية والقوة اللامحدودة للتعليم والمهارات والأخلاق العقلانية لتحقيق العدالة الاجتماعية ومواجهة الفقر والبؤس الاقتصادي. وبذلك، تتشكل التيارات الليبرالية واليسارية أيضاً، مستمدة وجودها وتأثيرها من الجماعات الاقتصادية والنقابات والمغامرين والمبادرين والمتمردين على الأوضاع القائمة والمتطلعين إلى حياة أفضل.


وتتشكل في المجتمعات والمدن قيادات اجتماعية من العاملين والناشطين في البلديات وحماية المستهلك والثقافة والفنون والرياضة وجماعات التأثير على السياسات والتشريعات والمؤسسات والخدمات والأعمال التطوعية والمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص وتطوير مؤسسات ومرافق المجتمع ومواجهة الاحتكار؛ تنتمي إلى التيارات والأفكار نفسها التي تتنافس وتتشكل في المصالح والأسواق والمؤسسات العامة.


ما الذي يحدث عندما تتعطل ديناميات تشكيل النخب وتدويرها، وعندما تعجز التيارات والجماعات عن تقديم أفكارها ومرشحيها على النحو الذي يعكس الإيمان بهذه الأفكار؟ تنفصل النخب عن رسالتها وفكرتها، وتتكون منها جماعات جديدة غير معروفة؛ بل هي لا تعرف نفسها؛ يساريون منفصلون عن الماركسية وهمّ العدالة الاجتماعية، يبحثون عن تحالفات وأدوار جديدة، مثل مجاميع العمالة السائبة التي تنتظر على الأرصفة من يشغلها؛ وليبراليون بلا ليبرالية، يبحثون عن أي فرصة وبأي وسيلة في حمى الخصخصة والمعونات الدولية؛ و'مقاومتيون' وقوميون لا يعترفون ولا يريدون أن يروا كل ما حدث منذ الحرب العالمية الأولى؛ ونخب أوليغاركية تمعن في النهب كما لو أنها تلعب في الوقت الضائع، أو هي جماعات ونخب ليست سوى مصالح جديدة مستقلة عن مصالح المجتمعات والقواعد الاجتماعية والمصالح الاقتصادية المفترض أن تعبر عنها، وتنشئ تحالفات جديدة مختلفة عن التحالفات المنشئة لها، وبذلك تتحول إلى كائنات طُفَيْلِيّة تلحق ضرراً بالغاً بالمجتمعات والأسواق، ويرتبط مستقبلها واستمرارها بضعف وتهميش المجتمعات وفي عجزها عن الاستقلال وإنشاء حراك اجتماعي اقتصادي حقيقي ينتج قياداته ونخبه المعبرة عنه.

وعملياً، تكون مصالح هذه النخب المغلقة والمهيمنة هي ضعف المجتمعات وهشاشتها وتدمير المؤسسات التعليمية والصحية والتنموية، وتحويل المجتمعات إلى مجاميع تابعة وتائهة. لكن في نهاية المطاف، لا يعود مجال في الصراع والتنافس سوى إقصاء النخب أو تدمير المؤسسات والأسواق والمدن.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة