الأحد 2024-12-15 05:40 م
 

ما زال الشعر أكثر المشاغل براءة

02:56 م

الوكيل - صدرت مؤخرا ترجمة جديدة لـ ‘أغنيات البراءة والتجربة’ ديوان الشاعر الإنكليزي الكبير وليم بليك، الترجمة للشاعر الباحث حاتم الجوهري، والذى قدم – بشهادة الناقد الدكتور ماهر شفيق فريد، جهدا جعله ‘محطا لانعقاد الآمال’ بعد’ صدور كتابيه ‘خرافة الأدب الصهيونى التقدمي’ و’المصريون بين التكيف والثورة’.. الترجمة صدرت عن سلسلة آفاق عالمية التي يشرف عليها الشاعر الكبير رفعت سلام. اضافة اعلان

منهج وجماليات :
‘وليم بليك’ واحد من أهم شعراء ‘المدرسة الرومانتيكية’ في الفنون والأدب قاطبة؛ والذين ينظر لهم كنموذج للتعريف بتجربة هذه المدرسة التي ظهرت في أواخر القرن 18 في أوربا. ظهرت هذه المدرسة على أنقاض ‘المدرسة الكلاسيكية’، وأحدثت انقلاباً مركزيّاً في الفكر الأوربي الحديث، وقدمت رافعةً محوريةً له. ‘وتعد المدرسة الرومانتيكية أهم حركة أدبية في تاريخ الآداب الأوربية، لأنها- بما اشتملت عليه من مبادئ، وبما مهد لها من اتجاهات في القرن الثامن عشر- قد يسرت للإنسان الحصول على حقوقه؛ إذ مهدت للثورات وعاصرتها، ثم كانت خطوة في سبيل نشأة المذاهب الأدبية المختلفة فيما بعد؛ فيجوز لنا أن نطلق على تلك المدرسة الأدبية التي ينتمي لها الشاعر: مدرسة التمرد الحقيقي الأولى في الفكر الأوربي الحديث.
وُلد وليم بليك في 28 نوفمبر 1757م، وتوفي في 12 أغسطس 1827م؛ أي وُلد في أواخر خمسينيات القرن الثامن عشر، وتوفي في أواخر عشرينيات القرن التاسع عشر. وُلد وعاش في العاصمة الإنجليزية ‘لندن’، لأسرة متوسطة الحال، حيث كان والده يعمل في التجارة البسيطة والصغيرة، وله 6 من الإخوة، مات اثنان منهم في مرحلة الطفولة. وقد تزوج بليك، ولم ينجب سوى ابنة واحدة.
بزغت موهبة ‘بليك’ مبكراً في الرسم، وإن كان نوعاً مختلفاً من الرسم، يقوم على تقليد ومحاكاة ونسخ نماذج من الآثار اليونانية، حيث كان هذا النوع من الفن ذائعاً ومنتشراً في حينه. ثم درس بعد ذلك فن الرسم دراسةً أكاديمية. وتعددت إصداراته الشعرية في حياته، رغم أنه لم يشتهر، ولم تجب شهرته الآفاق، إلا بعد موته، عندما اعتبره الكثيرون الرمز والأيقونه المعبرة عن ‘المرحلة الرومانتيكية’ في كل من الفن الكتابي (الشعر)، والفن التشكيلي (الرسم).
وعُرف بليك بنزعته المتمردة وآرائه المناهضة لشكل التدين النمطي الذي تقدمه الكنيسة، وإن لم يكن رافضاً لفكرة الدين في ذاته، أو رافضاً لوجود الخالق. وتقاطع بليك مع أحداث عصره كثيراً، وشارك فيها بزخم وعنفوان ملحوظ. ومن أهم أعماله الشعرية، ديواننا ‘أغاني البراءة والتجربة Songs of Innocence and Songs of Experience’ الذي صدر بشكله الحالي عام 1894م، ‘زواج الجنة والجحيم The Marriage of Heaven and Hell’ عام 1793م، ‘أورشليم Jerusalem’، عام 1820م.
هكذا قدم حاتم الجوهري دراسة رائعة عميقة بعدما شهدنا بعبقرية الدكتور ماهر شفيق، حينما قيم ترجمة ‘ الجوهري ‘ ضمن سلسلة ترجمات عديدة، ثم ذكر نموذجا دالا لاختلاف الترجمة، هو القصيدة القصيرة التي يقول فيها بليك :
THE SICK ROSE
O rose, thou art sick!
The invisible worm,
That flies in the night,
In the howling storm,
Has found out thy bed
Of crimson joy,
And his dark secret love
Does thy life destroy.

ثم يرصد ترجماتها عبر المترجمين الكبار: محمد إبراهيم الشوش، سمير سرحان، محمد عناني، إبراهيم الصيرفي، عبد الواحد لؤلؤة، عبد الوهاب المسيري، ثم حاتم الجوهري الذي ترجمها:
آه أيتها الوردة، أنت مريضة!
الحشرة الخفية
التى تطير في الليل
في العاصفة التى تعوي
قد عثرت على سريرك
ذي البهجة القرمزية،
وحبها الغامض السري
قد قضى على حياتك.
ـ بين يدي الشعر :
يرصد الباحث طبيعة قصيدة وآراء وعالم وليم بليك، والقضايا التي سيطرت عليه، مؤكدا أن ‘أهم ظواهر هذا الديوان: هو حب الأصيل والمصدر والمنبع، وكراهية الوكيل أو المندوب والممثل؛ أقصد أن الشاعر- في ‘مرحلة البراءة’- كان يتحدث عن علاقة مباشرة وواضحة، محكومة بالثقة والحب واليقين والود والدفء مع الخالق، صاحب القدرات والإرادة المطلقة النافذة، وصاحب المنهج السماوي الذي أرسله للبشر.
لكن في مرحلة ‘التجربة’ والواقع، أصبح ثمة وسيط في العلاقة، ممثل- أو يدعى هو كذلك- لكينونة الخالق. وعند هذه اللحظة، استحالت علاقة الحب إلى علاقة عداء وكراهية وندية، وإن حرص الشاعر أيضاً- حتى في ظل هذه المرحلة- على الفصل بين الخطاب الموجه إلى الوكيل (الكنيسة ورجالها)، وبين الأصيل الخالق سبحانه وتعالى؛ وإن اتسم مستوى الخطاب اللغوي الموجه إلى الأصيل هنا ببعض الضيق والسخط، والتمرد الوجودي أحياناً كذلك.
ففي قصيدة ‘العثور على الولد الصغير’- (من أشعار مرحلة البراءة)-نجد هنا الله (الأصيل) هو المنقذ والقريب والأب، الذي ينجد ‘الإبن الضال’ ويرشده للطريق :
ضاع الولدُ الصغيرُ في المستنقع الموحش،
تقوده الأضواءُ العابرة،
شَرع في البكاء، لكن الله، القَريبَ دائماً،
ظهر مثل والده، بالأبيض.
وفي قصيدة ‘الراعي’، نجد الحالة المثالية للراعي (الإنسان) الذي يعيش هائماً جوالاً حرّاً في الطبيعة والحياة، متصالحاً مع قدره، وعلاقته متصلة بالشكر للخالق مباشرة:
كم عَذبٌ هو القدر العذبُ للراعي !
يهيم من الصباح إلى المساء ؛
سوف يتبع أغنامَه طُول النهار،
وسوف يمتلئُ لسانُه بالتسبيح.
وينتقل الجوهري فى دراسته البديعة لمظهر الشرق في عيون الشاعر الغربي، راصدا ‘ ميلاً وحبّاً تجاه الشرق وعالمه السحري وأساطيره، عندما ربطه بالمطلق (الخالق)، ومكان وجوده وحياته، وذلك في نفس القصيدة ‘الطفل الأسود الصغير’:
انظر إلى الشمس التي تشرق : هناك يعيش الله،
يمنح ضوءه، ويهب حرارته،
تستقبل الزهور والأشجار والحيوانات والإنسان
الراحة في الصباح، والسعادة في الظهيرة.
وفي قصيدة ‘الصورة الإلهية’، يبحث الشاعر عن المشترك الإنساني الإلهي في كل المعتقدات الأخرى غير معتقده الشخصي (المسيحي)؛ في الإسلام (التركية) أو اليهودية أو حتى الوثنية. فهو يرى أن الإنسانية- بقيمها العليا- هي الألوهية، وما الألوهية إلا دعوة لتلك القيم:
ولابد للجيمع أن يحب الشكل الإنساني،
في الوثنية، أو التركية أو اليهودية.
فأينما تكمن الرحمة، الحب، والشفقة،
يكمن إلههم أيضاً.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة