الأحد 2024-12-15 03:30 ص
 

مجموعة ‘استثناء’ للقاص إبراهيم الحجري: من القصصي إلى الروائي

10:50 ص

الوكيل - يواصل القاص إبراهيم الحجري مشروعه القصصي المتميز، بخطى ثابتة، وإصرار واثق؛ وذلك برغبته في إصدار مجموعته الثانية، بعد ثلاث سنوات من صدور مجموعته الأولى المشتركة، الموسومة بعنوان (أبواب موصدة)، وإذا كانت هذه المجموعة تحمل في ثناياها الجديد، وهذا أمر مطلوب في كل عمل مستجد، فإن إلحاح القاص على الاستمرار، على نسق معين من إثارة قضايا بعينها، وأسلوب محدد في معالجتها، إنما هو عنوان لركود في عوامل التغير والتطور، وجمود في أسباب التحول والتبدل، ودوام الحال على ما هو عليه، وبقاء ما كان على ما كان، على الأقل طيلة عمر هذه التجربة. اضافة اعلان

وبصفة عامة، فإن جذور هذه المجموعة، من مضامين ورؤى وتقنيات، تمتد في عمق تربة التجربة الأولى، متماهية، من جهة مع مواضيعها الرئيسة، المتمثلة في وصف الأجواء الطلابية، وما ينصهر فيها من علائق ومواقف، تسطحها الأوضاع العامة، وتجعلها مجرد فقاعات سرعان ما تتلاشى مخلفة وراءها مآسي وأحزانا فردية وجماعية.
وفي تجذر الفكر الشعوذي في العقلية الشعبية المغربية، وتوارث الأجيال المتعلمة، بل المثقفة أحيانا، لممارساته وسلوكاته المختلة، وذلك لأغراض ذاتية، وأهواء ونزوات نفسية، يفرزها الإهاب الخارجي لمظاهر التطور ومقتضيات العصر.
وفي آثار المشاكل الأسرية في تفكك العرى الاجتماعية، و في إملاء الحلول النكوصية على شريحة عريضة من الشباب.
وفي التجارب العاطفية التي قد تعوقها الآفات الاجتماعية، فتنتهي نهايات مفجعة، وقد تتهيأ لها ظروف الانحراف، فتسف وتتدنى وتتمظهر في علاقات وقتية، ونزوات جنسية خاسرة محبطة حينا، وقاتلة حينا آخر.
وفي رصد وصفي انتقادي لبعض العادات الفلكلورية المحلية، التي لم تمسها يد التغير والتطور. ومستحضرة، من جهة أخرى، مجمل التقنيات السردية المجربة في المجموعة الأولى، وخاصة تقنية التقطيع والتقسيم، والحلم، والاسترجاع، وأسلوب حلقات السرد الشعبية، والاحتفاء بعناصر المحلية، كاستنبات ألفاظ وعبارات عامية وظيفية في السرد والحوار، في كثير من المناسبات، واستشتال رموز تراثية تاريخية ذات دلالات شعبية عقدية صوفية من أشهر أضرحة ومشاهد منطقة دكالة، مثل أضرحة الولي مسعود بن الحسين بأولاد فرج، والولي أبي شعيب أيوب السارية، والولي وعدود بالضفة اليسرى لمصب نهر أم الربيع بمدينة أزمور، والولية عائشة البحرية بالضفة اليمنى، والولي عبد الله أمغار بالساحل الأطلسي بالجنوب الغربي لمدينة الجديدة.
إن المتتبع لتجربة القاص إبراهيم الحجري، لا يجادل في أنها تتسم بخصائص تفردية تميزها عن التجارب القصصية التي تشاركها الورق والحبر والقراء. وأهم هذه الخصائص أنها نسيج متآلف ومنسجم مع خيوط سيرة القاص الذاتية المفترضة منسوج على منوال يتناغم فيه سدى جنس الرواية، ولحمة جنس القصة القصيرة، أما خيوط السيرة الذاتية فعناصرها مكانية، أبرزها الحضور الكثيف للمعالم الجغرافية، والأجواء والفضاءات والأنماط المعيشية والحضارية والفلكلورية واللهجية، وزمانية أيضا، وأهم محطاتها النشأة والدراسة والوظيفة والانشغالات الشبابية في مرحلة التحول التي شهدها المغرب في العشرية الأخيرة، كما شهدتها العديد من دول العالم الثالث والدول النامية. وهذه الخاصية أتاحت للقاص تناول العديد من القضايا الذاتية والموضوعية من الداخل.
وأما سدى جنس الرواية فخيوطه الرئيسية يجسدها البطل الإشكالي ومجالات تنقله وتفاعله وانصهاره وتمرده: البادية، البحر، الحافلة، نوعية العلاقات المزاجية الخاصة والعامة.
وأما لحمة القصة القصيرة فخيوطها تتشكل من أهم العناصر والمقومات الفنية المتعارف عليها في هذا الجنس الإبداعي.
هكذا يتداخل في تجربة القاص إبراهيم الحجري القصصية الخاص والعام؛ وتتناغم الذات والموضوع، ويتجاوب الداخل والخارج، في إطار سردي مرن ومحكم يتيح لهذه العناصر مجتمعة أن تتماسك وتتفاعل وتتأثر وتؤثر.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة