محبوبة الجماهير

عندما يكون المرءُ «رهين المحبسيْن»،مثل الشاعر أبي العلاء المعرّي،مع الفارق أننا ـ أنني ـ للدقّة ،كنتُ منذ يوم الخميس قابعا في البيت، بعد ان عدتُ ـ سالما ـ من رحلة العمل،حيث واجهتُ مثل باقي المواطنين شوارع،هي أشبه ب» الكمائن» و» الفخاخ»،فلا تدري وأنت تسير بسيارتك وسط الماء، أن تحتها «إسفلتا» أم «حفرة» أم « بالوعة» ضجّت بما فيها من أوساخ،فكان المطر، فرصة لها للتعبير عن «إنفجارها «.اضافة اعلان


وما بين خوفي من «تعطّل» السيارة في مكان» غير مناسب»،وساعتها،لا تجد من يساعدك، فالكل يغني» اللهم نفسي»، وبين التأخير عن المواعيد الصارمة التي عوّدتُ الناس أن التزم بها،عبرتُ الشوارع منذ الصباح حتى ساعات العصر. عندما لاحت أمامي حارة بيتنا،فحمدتُ الله على عودتي بلا»إصابات».
كان لابدّ منها. فهي الحبيبة الأغلى في الشتاء وكل شتاء. تلك العزيزة» الحمراء» التي لا يكتملُ دفئنا الا بها.
امتدت الأيدي لتخرجها من مخبئها. وتحلّق الأولاد والبنات حولها. كل يريد مصافحتها والتودد اليها. وهي تنظر إلينا بعين الرضا،تارة وبعين العتب تارة أُخرى. ولسان حالها يقول» الآن عرفتم قدْري،لمّا احتجتوني!».
لكن العشق فعل سرّي لا يدرك كُنْهَهُ الا العاشق والمعشوق.
تفقدناها، ومسحنا الغبار عن جسدها الأحمر. ووجدنا فيها بقايا «كاز» من الشتاء الماضي.
فقمتُ على الفور،ومشيتُ نحو» الكازية»، وبسعادة بالغة،استمتعتُ برؤية رفاق آخرين يشاركوننا حب» الحمراء»، وقد جاءوا من أجلها. كل يحمل»جلن كاز» ويفرك دنانيره امام عامل» محطة الوقود» مانحا اياه ما يملأ»وعاءه».
انتشيتُ بعد أن أنهيتُ مهمّتي وعدتُ مشيا كي أشعر بقيمة العشق بيني وبين»محبوبة الجماهير» وحبيبتي بالتأكيد.
وكأننا أقمنا لها حفلا يليق بها.
ملأناها بالكاز، فردّت التحية بأحسن منها، ومنحتنا دفئا جميلا كنا بحاجة إليه.
تحلّقنا حولها،كان صغيرنا»خالد» البادىء في التودد إليها. فوضع»خُبزته» عليها وحصل خلال ثوان على رغيف»مقرمش» طال الشوق اليه.
ثم مارستُ هواي الخاص.فأعددتُ «كنكة القهوة» وتركتها فوق محبوبتي الحمراء،تغلي كما نار القلب.
للصوبة الحمراء سحرها في بيتنا. فقد انتشرت البهجة في الاركان. وتجمّع المتخاصمون من الأبناء. وكأن بها ما يؤلّف بين القلوب.
وهكذا قضينا أول ليلة من ليالي الشتاء بمعية،رفيقة سهرتنا»الحمراء» ذات الجذور اليابانية والتي نناديها»فوجيكا».
آآآآآه يا «فوجيكا»!!