الأحد 2024-12-15 04:39 ص
 

ندوة عن مجموعة "حوافر مسافرة" للقاص مخلد بركات في المكتبة الوطنية

03:21 م

الوكيل - رأى ناقدان أن القاص مخلد بركات خادم أمين في محراب اللغة الشعبوية في كتاباته، فقد وظف في مجموعته 'حوافر مسافرة' البوح الشعري، في السياق الذي ورد فيه، وأبعد الملل عن القارئ، وأعطى بنية النص مزية جمالية معينة.اضافة اعلان


جاء ذلك في الندوة التي نظمتها دائرة المكتبة الوطنية أول من أمس، ضمن برنامج 'كتاب الأسبوع' وشارك فيها د. راشد عيسى، والشاعر محمد سلام جميعان، وأدارتها القاصة هيا صالح التي قدمت سيرة ذاتية عن المؤلف.

قال الناقد والشاعر د. راشد عيسى إن أغلب ما يكتبه بركات هي شهادات أدبية على ملامح البيئة الأردنية التي تحمل أحيانا ظلالا وثائقية وروحا تأريخية لا تتخلى عن المشاعر الجغرافية في الطبيعة، ولا عن طبائع الجغرافيا في المشاعر، ولا تتراجع عن انحيازها للذة المكبوتة في جحيم الجسد، ولا عن صرخات الحلم الممنوع في مشهد الحياة.

ورأى عيسى أن مجموعة بركات 'حوافر مسافرة' معززة بطرز متباينة من البنى الفنية التي ضمت ظواهر جمالية متعددة، أولها توظيف السياقات الشعرية للدقة، وتوظيف العبارات ذات اللغة النشطة التي تحمل نوايا الشعر، سواء الفصيح أو المحكي.

وأضاف عيسى أن المؤلف وظف البوح الشعري في خدمة السياق الذي ورد فيه، وأبعد الملل عن القارئ، وأعطى بنية النص مزية جمالية معينة. ففي قصة 'حزانى تطردهم الريح' يستدعي بركات ثلاثة أبيات من شعر عرار، رتبها في مواضعها التي تخدم الفكريات الجزئية في النص.

فهذه القصة تناجي الشاعر 'مصطفى وهبي التل- عرار' عبر استحضار تلك الأبيات التي تصف بالتلميح اتجاهات عرار نحو الحرية والعشق. وأحيانا كان الكاتب يستهل قصته بمقطع شعري يمهد للفكرة الرئيسية.

وتحدث عيسى عن الظاهرة الأسلوبية الشعرية والفكرية والصياغة في جميع سرديات بركات، وسببها اتجاهه الدائم نحو أسطرة القرية ومنحها بُعدا ميثولوجيا خاصا، ولاسيما القرى القديمة والأماكن التي تحمل إرثا تاريخيا معروفا، مشيرا إلى إسقاط الميثولوجي على جميع كائنات المكان، وخاصة المنسية المهمشة من النباتات والحشرات والشخوص والعادات وكل ما له علاقة سريانية بتاريخ المكان.

ورأى عيسى أن المؤلف يشتغل منذ مجموعته الأولى على تبجيل المهمل والمتروك من ذاكرة المكان، فيعيد له الاعتبار والتواصل ويكسب محبة وولاء وقرابة، فهو يجسد ملمحا مهما من ملامح الثقافة الوطنية التي تنتصر للأرض والناس الفقراء والأشخاص الذين أسهموا في صياغة تاريخ المكان.

وأشار عيسى إلى أسلوب بركات في نزعته الفنية التي توظف المخيال الشعري والرسم معا في القصة الواحدة، مما يجعل الفكرة الرئيسة في القصة مفتوحة على الاحتمالات والتشتت، حيث لا يبقى أمام المتلقي سوى لذة التصوير ودهشة الإعجاب باللامعقول والعجائبي.

ورأى عيسى أن المؤلف ينتصر إلى اللغة الأدبية العالية في قصه، وهو انتصار ذو حدين، الأول ممتع يجعل القصة قصيدة أو لوحة، غنية بالترميز وتحتاج إلى خبرة استثنائية في فك شفراتها.

وبين عيسى أن الحد الثاني هو أن غزارة التخييل تفقد القصة طبيعتها الواقعية البسيطة وتحرمها من ميزة الحكاية الحدث إلى مسألة التعليق على الحدث، والتركيز على هوامشه، وليس على مركزيته، مؤكدا أن اللغة الأدبية الغزيرة ليست دائما إيجابية في بنية القصة لأن اللغة في السرد ليست هدفا وإنما وسيلة لربط الأحداث بعضها ببعض.

وخلص عيسى إلى أن كثافة اللغة الشعرية، وغرابة التصوير في قصص بركات محكومة بمرجعية الروح الأسطورية التي يكتبها، فنلمح نزوعه إلى إعادة المكانة التاريخية الشعبية لكائنات القرية، والمنزلة الاجتماعية الوطنية لشخوص القصص، والحضور الدائم لذاكرة المكان في الوجدان الجمعي.

وقال الناقد محمد جميعان 'إن المجموعة التي نحتفي بها فيها استعادة جارحة ومؤلمة لأسفار في النفس والمكان، تراوغ بمكرها اللغوي، دون أن يدرك القارئ مغزاها، فعندما يعود المسافر من رحلته يخبرنا ويروي لنا ما رأى'، مشيرا إلى أن مشاهدات بركات تترقرق اللغة وتشف لتصبح أكثر من أداة توصيل، فهو يقيم جسورا لغوية مع قارئه باستخدامه المفردات الشعبية.

وبين جميعان أن الاستخدامات اللغوية هي أقصى وأبعد من أن تكون أداة استدراج نحو البيئة المحلية والتعبير عن خصوصيتها، فهذه الواقعية المفرطة في استخدام وتوظيف ما هو شعبوي إنما هي ملمح جريء لتكثيف واقع الحدث والمجريات، وضغط وشحن بطاقة شعورية.

وأشار جميعان إلى قصتين تواجهان واقع الإنسان المر، مثل مصارع يعتصر غريمه ويثبته، ويعيد تشكيل أضلاعه وفق هواه وقدرته، لافتا إلى أن اللغة الشعبية في هذه النصوص محملة بطاقة هائلة من الانفجار، ومعه يتفجر وعي القارئ بواقعه، فيعود إلى لحظة الانتباه مجددا.

وبين جميعان أنّ بركات هو خادم أمين في محراب اللغة أمام من قد يتهمونه بالاستنشاق الضار للغة الشعبوية في كتاباته، مبينا أن قطار كتابته وحوافر حصانه الجموح تطبع لحظة الكتاب لديه بما يؤالفها ويوائمها من لغة وتعبير.
وفي نهاية الأمسية قرأ القاص بركات عددا من قصص المجموعة، مشيرا إلى دلالاتها وأبعادها النفسية لدى القارئ.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة