أحمد الربابعــة - عشرات السنوات أو ما يزيد على نصف قرن من الزمان، والمواطن العربي يعيش على فكرة أن مشكلته أو مشاكله المختلفة هي إسرائيل أو بسببها، فكثير من الحديث الذي دار ويدور في الوطن العربي يكون منصبا على أن وجود إسرائيل في فلسطين هو المشكلة الأساسية والجوهرية للعرب، بل ونذهب إلى أكثر من ذلك؛ حين نعتقد أن خروج إسرائيل من الأرض العربية، أو هزيمتها في المواجهة مزمعة الحدوث حسب الأديان السماوية، هو الحل بالنسبة للأمة العربية.
ولم ينحصر هذا الاعتقاد بالفئة العامة أو بحديث الشارع عند الشعوب العربية، بل كان أيضا نهج رسمي لحكام وأحزاب عرب، بنو نهجهم ومشروعاتهم على أساس من ذلك؛ كالأحزاب القومية والوطنية، وأوضحها المنظمات الفلسطينية؛ وان كان شيء من ذلك مبررا لها (أي للتنظيمات الفلسطينية).
وحقيقة الحال، والتي يجب أن نؤمن ونعمل بها إذا أردنا الإصلاح والنهوض بأمتنا العربية: هي أن إسرائيل ليست مشكلتنا الأساسية رغم حالة الحرب والعداء التي نخوضها مع إسرائيل منذ ما يزيد على نصف قرن مضت ... طبعا مع عدم نفينا إلى أن إسرائيل جزء من المشكلة العربية، وعدونا الأول في العصر الحديث.
حالة التخلف والتردي الشامل اللذان عاشتهما الشعوب العربية في قرنيها الأخيرين، هي المشكلة الأساس والجذرية، والتي تتمحور حولها جميع مشكلات العرب، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والدينية، وغيرهم ... وقد تحدث بذلك عدد من مفكري العرب من أصحاب دعوات الإصلاح والتحديث على مدى عقدين من الزمن، أمثال رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده ومحمد أركون وبرهان غليون وغيرهم، والذين وجدوا أن مشكلتنا الأساس هي التخلف، وقدموا رؤى وحلول يمكن أن تخرج الشعوب العربية من حالة التخلف هذه، غير أنه لم يعمل بها، وتم العمل بخطاب التحديث الذي تبناه كثير من حكام العرب والذي يدعوا إلى الاتصال بالغرب من أجل الاستفادة من تجربته الحضارية، فكانت النتائج مغايره بل وسلبية في أكثرها.
ما يجعلنا متأكدين ومقتنعين تماما بأن إسرائيل ليست هي لب المشكلة بالنسبة للعرب؛ هو حين نفكر مليا ونراجع أهم قضايانا، والتي سنجد عند تفحصها أن اثر إسرائيل فيها لم يكن الأكبر أو الأخطر، أو في أسوا الحالات الوحيد المرتكب.
فإذا كنا نعتقد أن احتلال الأرض العربية هو المشكلة الأساس .. ففلسطين والجولان ليستا الأرض العربية الوحيدة المحتلة؛ بل هناك الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من إيران، وهناك الصومال المحتل من إثيوبيا، والسودان الذي تم اقتطاع دولة كاملة من أرضه، مع عدم تجاهلنا للأندلس المحتل من الاسبان وبات بلدا أوروبياً.
أما إذا كانت مشكلتنا مع إسرائيل قتلها لعشرات الآلاف واعتقالها لعشرات الآلاف غيرهم من العرب، فإن قتل واعتقال الدكتاتوريات والأنظمة العربية لشعوبها كان أكثر وأفظع من ذلك بكثير، سواء القتل العمد المباشر، أو القتل من خلال ترهل قطاعات الدولة وتسيبها، كحوادث السير وغرق البواخر وانهيار العمارات وغيرها، وما مجازر كحماه عام 1985، ومقتل آلاف المصريين في غرق البواخر وانهيار العمارات زمن نظام مبارك ، ومئات الأردنيين الذين يقتلون سنويا بحوادث السير؛ إلا أمثلة على ذلك القتل المنظم وغير المنظم .. فالأنظمة العربية صاحبة خبرة وتاريخها حافل بقتل شعوبها واعتقالهم وتعذيبهم ونفيهم واهانتهم، وعدم توفير سبل النجاة والحماية لهم في أفضل الحالات، حتى أن من العرب من تمنى أن يسجن في إسرائيل أو يقتل على يدها، على أن يسجن في سجن عربي أو يقتل بطرق وحشية على يد نظامه.
وإذا كانت مشكلتنا مع إسرائيل تهجيرها لمئات الآلاف من الفلسطينيين وجعل ما يزيد على 6 مليون فلسطيني يعيشون في الشتات خارج فلسطين، فهنالك عشرات الملايين من العرب يعيشون خارج الوطن العربي، 12 مليون لبناني و 10 مليون سوري 8 مليون سوداني وأكثر من 8 مليون مصري وكذا مليون عراقي، وملايين اخرى غيرهم من أبناء العرب يعيشون خارج وطنهم قسرا؛ نتيجة النظام الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي الذي أجبرهم على مغادرة بلدانهم، إن لم يكونوا منفيين ومهدد بعضهم بالقتل من نظامه.
وبالطبع فإن المقارنات على هذا الأساس تطول، غير أن نتائج جميعها تعطي فائدة رئيسية، وهي: أن ما أصاب العرب من أيديهم وأيدي أنظمتهم أكثر بكثير مما طالهم من إسرائيل أو غيرها من الدول.
نؤكد مرة اخرى أن إسرائيل ليست هي المشكلة؛ لان احتلال اليهود للأرض العربية في أربعينيات القرن العشرين وما بعدها، جاء نتيجة لحالة الضعف والفرقة والتخلف التي عاشتها الشعوب العربية آنذاك، وليس لقوة اليهود أنفسهم، وكان باستطاعة أي دولة أو عصابات بحجم عصابات الهاجانا اليهودية في ذاك الوقت أن تحتل فلسطين أو غيرها من البلدان العربية (وهو ما حدث).
مثل هذا التبرير أو التفسير، هو نفسه الذي يعرف في علم النفس بـ(مركز الضبط الخارجي) أو العزو الخارجي؛ حين يفسر الإنسان سلوكه بطريقة غير صحيحة؛ فينسب أسباب فشله أو نجاحه لعوامل خارج ذاته أو شخصيته، بالرغم أن مردها يكون لعوامل شخصية أو داخلية .
إذن فاستعادة فلسطين وأي أرض عربية اخرى لن يبدأ بالبندقية والسيف (ونتحدى كل من يعتقد بذلك)؛ لأن عمر بن الخطاب فتحها بدابة واحدة فقط وبثوبه المرقع (لكن كيف كانت دولة عمر؟)، وصلاح الدين الأيوبي فتحها بعدما عمل على إصلاح الدولة الإسلامية والنهوض بها قبل أن يقرر المعركة ... وما تحتاجه الأمة العربية حالياً من أجل حل مشاكلها؛ هو الإصلاح والنهوض الشامل في قطاعات الدولة المختلفة، الصحية والتعليمية والدينية والاقتصادية، بما فيها من أخطاء طبية وبطالة وبعد عن الدين وحالات طلاق وعنوسة وتردي البحث العلمي، وما شابه ذلك.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو