الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

المدن والأخلاق



لم أرتد في حياتي ناديا ليليا ولا اعرف كيف هي من الداخل ولا احب وجودها وأقرف من أجوائها حتى دون ان أراها، لكنني لا أدين وجودها ولا أدعو لإغلاقها قسرا. بهذا الموقف اضع سلاحا للطخ علي من جنود الفضيلة المجندين لمكافحة الرذيلة لكنني أقترح على هؤلاء ألا يخاطبونني أنا بل زبائن هذه الأماكن بالموعظة الحسنة للكف عن ارتيادها فإن نجحوا ستغلق هذه الأماكن ابوابها من تلقاء ذاتها.اضافة اعلان


نحن ندافع عن الحريات وسيادة القانون، والقانون يمنع البغاء والسلطات تقوم بواجبها في تطبيق القانون وتقوم بمداهمات لأي مكان اذا وردت شكاوى أو توفرت أدلة أكان في نواد ليلية او اي مكان آخر، فهذه الممارسة تتوارى خلف ألف ستار، في شقق مفروشة وبيوت وعلى الطرقات وعلى الانترنت ووسائل التواصل. والتقدم الاجتماعي لم يطلق هذه الممارسات ويحررها بل العكس. ففي أزمنة سابقة كانت دور البغاء في المدن والحواضر العربية معروفة ومشرعة كما كانت في مدن الغرب والشرق الأقصى، ومع نهوض حركة تحرر المرأة ومساواتها ظهرت المطالبات بمنع البغاء قانونا واعتباره استرقاقا واستعبادا واستغلالا جنسيا يحتقر المرأة ويهينها كإنسانة. والبغاء ينشأ ابتداء عن ظروف مادية قاهرة لنساء بدون حماية يقعن ضحية الاستدراج واحيانا الاجبار وأخطر من ذلك استدراج القاصرات وبيعهن لعصابات اجرامية. وهذا العالم السفلي للجريمة وتجارة الجنس والمخدرات دائرته أوسع من النوادي الليلية التي تحتل موقعا هامشيا محدودا وعلى الأقل علنيا وتحت الرقابة. ونفس الشيء يقال عن عالم الزعرنة والعنف والمشاجرات والسلاح.

النوادي الليلة وجدت منذ وجدت عمان إلى جانب المقاهي والسينما والمسارح مع مظاهر الحياة المدنية وهي من وجهة نظري من وسائل الترفيه – مع الاحترام للجميع – الأكثر غباء والأقل احتراما. وحسب ما نسمع هناك يتم تصيد الزبائن الذين يبذرون مالهم بهبل. لكن كم من الأماكن والوسائل التي يتم فيها هدر المال طوعا أو ابتزازه قسرا، وكم عدد الأردنيين الذين يذهبون للكازينوهات في الخارج ويخسرون في الليلة الواحدة آلاف الدنانير. ولو اغلقت النوادي الليلية فسيتبعها زبائنها إلى الخارج، كما يفعل ابناء بعض الدول العربية الغنية حيث ساد النفاق والازدواجية والكذب والتظاهر بصورة مرضية خطيرة. وبالمناسبة انا لا احب حتى المقاهي ولا ارتادها لكن لا أدين احدا. يجب احترام الحريات الشخصية وتنوع الميول والمشارب والمصالح لمختلف الفئات ضمن حدود القانون.

التعايش في المدن لا تحدده اعراف وتقاليد موروثة ومعتقدات بل قوانين. في المدينة تتعايش قيم ومعايير أخلاقية متنوعة وأساليب عيش ومعتقدات تذهب من النقيض إلى النقيض، الأخلاق الاساسية هي الاستقامة والشفافية والصدق وخصوصا للمسؤول عن الشأن العام. كل شخص أو فئة تتصرف بما يخصها بمعاييرها ولا تفرضها على غيرها والمدن تصنع قيمها المشتركة وعلى رأسها احترام المجال العام والانضباط لمقتضياته مع احترام الخصوصيات والانضباط للقوانين والانظمة والتعليمات التي تحكم استخدام الحيز العام. وقد تقام في بيت مجاور لك حفلة “ماجنة” فلا يحق لك الاعتراض الا اذا صدرت ضوضاء تزعج الجيران. السيدة المحجبة أو بتنورة قصيرة تخرج وتقود السيارة والشرطة تدين وتخالف منهما من ترمي نفاية من شباك سيارة.

المدن تعج بالمشاكل والمعاناة وليس اقلها في عمان ازمة السير التي تجعل الحياة مستحيلة وارتفاع الاسعار الذي جعل عمان من اغلى العواصم واعمال البلطجة والخاوات والتنمر وغير ذلك الكثير مما يعانيه اصحاب المصالح وعموم المواطنين، ولا احسب ان النوادي الليلية هي رأس مشاكل عمان.