ليسمح لي القارئ العزيز لأول مرة أن أكتب عن مناسبة شخصية كمنطلق للحديث عن أمور تهم التعليم العالي في بلدنا الأردن الحبيب، فقد حضرت تخريج إبني "محمد" آخر العنقود كما يقال من احدى الجامعات البريطانية بعد أن حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة المدنية، وسط أجواء اختلطت لدي فيها مشاعر الأب التي يعرفها جميع الآباء في احتفالات التخريج بجميع مستوياتها، ومشاعر المهتم بواقع التعليم العالي في الأردن والعالم العربي، حتى كادت تطغى المشاعر على بعضها في لحظات التأمل بالمسافات البعيدة، والاختلافات العميقة بين نظرتنا وغايتنا من التعليم، ونظرة وغاية تلك البلاد التي تجاوزت وراء ظهرها معظم ما زلنا نخوض فيه من جدالات عن جودة التعليم وأساليبه وممارساته وأهدافه ومخرجاته!
لست منبهراً، ولا يائساً من انطباعات سرعان ما يمكن
السيطرة عليها ونحن نعرف أسباب التفوق الذي حققته الدول المتقدمة، ولم يحققه
عالمنا العربي، ولا العديد من الأمم الأخرى نتيجة عوامل يطول شرحها، وإن كنا قادرين
على مواصلة طريقنا نحو العلم والتعلم والمعرفة التي لم تعد مقتصرة على أمة دون
غيرها، بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، في ظل العولمة، وعصر الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
لكن حالة التأمل التي انتابتني على مدى أيام قليلة من
الإقامة في العاصمة البريطانية لندن، أثارت في خاطري حجم ونوعية التحدي الذي
يواجهنا كي نجعل من التعليم في بلادنا رافعة للنهوض الكلي الذي نتطلع إليه، وقد
كان الأمر كذلك لدى تلك الدول التي أرست قواعد نهوضها عن طريق تطوير العلوم
والأبحاث العلمية، وتحويل الجامعات إلى منارات تضيء سبل الحياة كلها، وفق مفهوم
فلسفي يستوعب الحاضر، ويولد معارف جديدة، ويؤهل الخريجين، والباحثين بقدرات
إبداعية تتيح لهم إصدار القرارات الصحيحة والناضجة، بشأن القضايا والشؤون المعاصرة
في المجالات جميعها!
والأهم من ذلك أن إستراتيجية التعليم العالي في بريطانيا
-وقد تسنى لي الاطلاع على جوانب منها- جريئة وطموحة، تجمع في إطارها العام جميع
القطاعات الأخرى ذات العلاقة بمخرجات التعليم الأكاديمي والبحثي، في التخطيط
والإدارة والتنفيذ، وتجعل من عملية تطوير وتحديث قطاع التعليم العالي والنهوض به،
جزءا لا يتجزأ من الإستراتيجية العامة للمملكة المتحدة.
يكمن الفارق الكبير هنا في القيمة الحقيقة لدرجة وقيمة
شهادة الدكتوراه عندنا وعندهم، يكفي أن نحاول فهم الغاية من منح خريج الدكتوراه في
العلوم المختلفة شهادة موازية في الفلسفة، للتأكيد على أهليته في التفكير وفعل
الصواب، والبحث عن الحكمة والمعرفة، والغاية من ذلك تشكيل نخب علمية متميزة وقادرة
على استشراف المستقبل، واقتراح الحلول الموضوعية لمعالجة المشاكل والأزمات، والاستجابة
لكل ما هو جديد ومستحدث، هناك بالفعل عنوان واضح محدد لتلك النخب التي تدور في نطاق
واسع بين الجامعات والمجتمع، وبين الحاضر والمستقبل، ضمن حيوية، تعكس روح العملية
التعليمية، جنبا إلى جنب مع أدواتها ووسائلها وأساليبها وأهدافها القريبة والبعيدة
!
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي