الأحد 05-05-2024
الوكيل الاخباري
 

لكل واحد منا نظامان يعقلان (1 – 2)



بينت التجارب المخبرية والأبحاث الميدانية والمناقشات العلمية لعالم النفس واقتصاد السلوك: دانيال كانيمان – الحائز على جائزة نوبل في الموضوع ومؤلف كتاب Fast And Slow Thinking – أن لكل واحد منا عقلان أو -على الأصح – نظامان عقليان متباينان: واحد يفكر بسرعة ودون تدقيق ولنسمه بالعقل المتسرع، والآخر يفكر ببطء ويدقق، ولنسمه بالعقل المتأني، وإن سَمّى الأول: (System 1) أي النظام العقلي الأول، وسَمى الثاني بالنظام العقلي الثاني (System 2).اضافة اعلان


والنظام العقلي الأول حدسي سريع الاستجابة للسؤال أو المثير، ويقفز إلى النتائج ، فلا يحقق ولا يدقق، وإنما يجيب بما يخطر رأساً على البال، فنخطئ في كثير من الأحيان في الجواب أو الحل. وعندما نخطئ نضطر إلى التحول إلى النظام العقلي الثاني، حيث نفكر ببطء ودقة لمعرفة الجواب الصحيح.

مثال: أجب على السؤال التالي بمجرد قراءته: خمس ماكينات خياطة تنتج خمسة قمصان في خمس دقائق، فكم تحتاج مائة ماكنة من الوقت لإنتاج مائة قميص؟ والتفكير بسرعة يشمل مختلف أشكال التفكير الحدسي والإرشادي والنشاطات العقلية الخاصة بالإدراك والتذكر أو الذاكرة.

أما النظام العقلي الثاني فينتقل إلى شكل أبطأ من التفكير، أي إلى تفكير أكثر تمهلاً وبحاجة إلى صبر وجهد. وأنبه هنا أن هذا التفكير (النظام العقلي الثاني) لا علاقة له ببطيئي التعلّم أو التفكير الذي ينسب إلى العوق. إنه أقرب إلى التفكير الطويل الذي يمتاز به بعض الناس، مثل آنيشتاين وداروين.

النظام العقلي الأول يعمل آلياً وبسرعة، وبقليل من الصبر والجهد، ودون إحساس بالضبط (Control) أما النظام العقلي الثاني فيركز الانتباه على النشاط العقلي الذي يتطلب بذل الجهد، وبخاصة في حل الأسئلة الصعبة والمشكلات المعقدة. وغالباً ما يرتبط هذا النظام بالخبرات الذاتية أو الخاصة، وبالاختيار، وبالتركيز. إن اللا – يقين هو مملكة هذا النظام.

والنظام العقلي الأول منظم للانطباعات والمشاعر القليلة الجهد التي تشكل فيما بعد المصادر الرئيسية لمعتقداتنا الكامنة في النظام الثاني الذي له الفضل بالمراقبة المستمرة لسلوكنا فيبقي الواحد منا مؤدباً /مهذباً حتى عندما يكون غاضباً، أو ينبهه عندما يسوق السيارة ليلاً.

يتطلب هذا الحساب الطوعي من التفكير بذل الجهد، الذي تكشف عنه ذبذبات بؤبؤ العين ودقات نبضات القلب. وهو في الأصل نظام كسول وذلك راجع إلى كون النظام العصبي يستهلك من السكر أكثر مما يستهلكه أي جزء آخر من الجسم. ومن ثم يصبح هذا النظام مكلفاً جداً، فلا يلجأ المرء إليه الا مضطراً. ومنه اشتق قانون الجهد الأقل Law of Least Effort بمعنى أنه إذا كان يوجد لحل مسألة أو مشكلة عشرة طرق فإننا نختار الطريق الأقل جهداً (المقاطعة). إن الجهد – اقتصادياً – كلفة، واكتسابنا المهارات يقوم على الموازنة بين الجهد/ الكلفة /الفائدة أو العائد. ان الكسل عميق الجذور في الطبيعة الإنسانية.

ويعتمد نمط التفكير الشائع في المجتمع على سياق الثقافة العامة فيه، فإذا كانت تدور حول الفلوس كما في النظام الرأسمالي الاستهلاكي المتوحش، فإننا نفكر بالفلوس على الدوام، وإذا كانت الثقافة العامة دينية الطابع، فإننا نفكر دينياً على الدوام. وإذا كانت الثقافة العامة ديكتاتورية فإنها تفكر بالديكتاتور على الدوام، وهكذا. إن كلاً من هذا وذاك يؤدي إلى انخفاض في التفكير العميق والاستقلال العقلي. وبهذه المناسبة نذكر أن الإرهاب ومبادئ الأديان تخاطبان النظام الأول.

الأخبار الجيدة تؤدي إلى راحة البال وتحسين المزاج، لأنها خالية من التهديدات التي تحرك النظام العقلي الثاني وتعبئه، فحين يكون الطلبة في وضع مريح أو مزاج حسن قبل الامتحان فإن دقة أجوبتهم تزداد، وبالعكس فإنهم يعجزون ويخطئون.

يفشل النظام العقلي الثاني بالجهل والكسل، وبقدرتنا غير المحدودة على تجاهل جهلنا. وبالمقابل فإنه كلما ازدادت معرفة المرء نشأ لديه وهم قوي بمهارته وقدراته، وثقة زائدة عن الحد بنفسه، وابتعاداً عن الواقع، وتنبؤات أقل صدقاً.
والصياغة اللغوية أو التأطير (Framing) للمسألة أو المشكلة أو للدعاية أو الإعلان… تؤثر كثيراً في النظام الأول (Halo Effect). اقرأ ما يلي:

سامي: ذكي – مجتهد -مندفع – ناقد – عنيد – حسود .
غيث : حسود – عنيد – ناقد – مندفع – مجتهد – ذكي.
فمن نختار لتعيينه في الوظيفة الشاغرة؟ فكّر