كم كبير من التفاعل الدولي حول أزمة اوكرانيا ما يزال ينتمي للاسف لحقبة الحرب الباردة. سياسيون واستراتيجيون من الطرفين يقاربون ما يجري من زاوية توازن القوى ابان الحرب الباردة وكأن شيئا لم يحدث أو أن الحرب لم تنته في اعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي.
بعضهم ذهب لحدود مقارنة ما يجري في الازمة الاوكرانية بأزمة الصواريخ الكوبية عندما كانت اميركا والاتحاد السوفيتي على شفير حرب نووية. ساد وقتها قبول نظرية فضاءات النفوذ (spheres of influence) اي ان للدول الكبرى كأميركا والسوفيت لهم مساحات للنفوذ خارج حدودهم لا يجوز التعدي عليها او تهديدات من اراضيها.
يقارنون ما يجري الآن بتلك الازمة وان لروسيا حقا في فضاءات للنفوذ! مؤسفة هذه العقلية التي ما تزال حبيسة تلك الحقبة، فالزمن تغير والحرب انتهت، وقواعد العمل الدولي تغيرت، والاهم، ان لا روسيا ولا الغرب صاحب مصلحة في اي نزاع او تصادم الارجح انه لن يحدث بسبب تكلفته وانعدام عقلانيته.
من حق اوكرانيا ان تنتمي لأي تحالف، وهذا لا يشكل اي تهديد لروسيا لأن الحرب الباردة انتهت ولم يعد هدف تدمير امبراطورية الشر موجودا. لكن ومع التسليم بذلك، فالعقلانية السياسية تملي شيئا من الحياد الاوكراني على غرار الاسكندنافي او الهندي.
يمكن لأوكرانيا ان تتبنى اي سياسة خارجية تريد، لكن بما يضمن شيئا من الفهم لجوارها الجغرافي ومعادلاته الاستراتيجية. لذلك، فربما الافضل ان تتخلى اوكرانيا عن هدف الانضمام لحلف الناتو كما فعلت عدة مرات في السابق لاسيما ان الناتو لن يحارب دفاعا عنها بل سيكتفي بعقوبات على روسيا إن اقدمت على غزو اوكرانيا.
شخصية بوتين في محور كل هذه التفاعلات، ويبدو واضحا ان التركيز الغربي بات ليس على محاربة او اضعاف او اسقاط روسيا فهذا ليس مطلوبا، بل المطلوب استهداف الرئيس الروسي شخصيا لأنهم باتوا يعتبرون شعبويته السبب الاساس في سلوك روسيا.
بالمقابل، يظهر بايدن عقلانية بالتعامل مع الازمة فلم ينجر لاستفزازات وتصعيد اعلامي، وهو بذات الوقت تبنى نهج التعددية في مقاربات قرارات العلاقات الدولية فلم يتحرك الا عندما تأكد ان اوروبا وحلف الناتو مستعدون ويتحركون قبله. هو لا يريد حربا ويؤمن ان الحرب الباردة انتهت، ويدرك ان روسيا لا تريد مواجهة مكلفة لا قبل لها بها، وعلى ذلك يبني تعامله مع الملف ولم يتصرف برعونة.
في هذه اللحظة التاريخية من تفاعل العلاقات بين الدول، الحرب خيار مستبعد احمق مكلف، والجميع معني بالتعاون والتكامل، وقواعد اللعب الجديدة هي التنافس الاستراتيجي على البناء وتحقيق الازدهار والامن بعيدا عن التصعيد والاقتتال. انه عهد التنافس الاستراتيجي على قوة الاقتصاد، ونوعية الابتكار والاختراع، وبناء التكنولوجيا التي تيسر حياة الناس وتقود النمو وتجعل العالم اكثر امانا وازدهارا. لا مكان ولا مجال للحرب فبدائلها كثيرة واكثر فعالية واقل تكلفة منها.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي