إلى جدتي

إلى جدتي التي لم أراها يوماً ، إلى تلك اليدين الرقيقتين اللتان لم تُسرحان شعري قط ، إلى ذلك الحضن الدافئ الذي لم أجربهُ يوما ، إلى عينيك الخضراوين التي لم ألمح بريقهما إلا بصورٍ جامدة، اشتقت لوجودك حولنا على الرغم من أنني لم اشعر به أبداً ، منذ وقت طويل وأنا أفكر بك وأرسمُ أمامي الكثير من الصور التي قد نتبادلها بذاكرة أنا وأنتي اضافة اعلان


أتخيل بيتك الدافئ بستائرهِ المخمليّة المنسدلة على أكتاف النوافذ كأنها التصقت بها منذ ولادتها ، وكراسٍ قديمة الطراز تَفوح منها رائحة عطرك ، وأرى الزوايا وقد جملّتها بلوحات مذهبة الأطراف وعصافير تكتسي ألوان الطيف تتلألأ مع أشعه الصباح، أتخيل تلك المنضدة الخشبية الدائريّة التي ألبَستِها ثوبا شفقي اللون مطرزا بخيوط ذهبية لامعة، وكيف تتوسطها صحن من الكريستال المبتهج وأرض افترشتْ ورود شربت من الشفق حتى ثملت وتلونت بألوانه ، وعكاز يجلس في مكان اعتاد وجوده يحيطه الاهتمام والرعاية، عكاز خشبي تكوَر رأسه ليشكل ممسكا فضيا ، أتخيلك تصرخين على الصغار من أبناء خالتي أن أحدهم تدافَش وأزاحها بطريقة عشوائية فينطلق منك صوتٌ ثائر وسرعان ما تهدئين وتقولين بحنين مقهور: هذه من رائحه جدكم

أتصورك تضمينني في أوقات تؤنِبُني الحياة بأفعالها وتقولين بعبارات ملؤها الحب :لا تحزني يا صغيرتي فمادام هنالك فجر يضيء الكون ستنقشع الظلمة من حياتنا، وتمسحين بيديك البيضاء التي تفيض بعبق الياسمين على شعري وأنسى بهذه اللمسة اليوم بأكمله .

أقف أمام المرآة كثيرا وأنا أراكي خلفي تبتسمين بضحكةٍ ماكرة وتقولين لي :ما سبب هذه اللمعة بعينيك فأبوح لكي بكل ما يسكن قلبي من أسرار، ًوتجلسين على كرسيك الخشبي فيتراقص ذهابا وإياباً وكأنك تَعودين لسنوات ماضيه تكتنز بقصص كثيرة وأقترب منك وتحكي لي الكثير الكثير منها حتى تمل الساعات من حديثنا ونحن لا نمل وأرى بعينك الدموع تترغرغ اشتياقا لجدي وتقولين بصوت خافت ليته بقيّ بقربي فقد أستعجل الرحيل فأقترب منكِ مازحه لأمسح هذا الحنين الموجوع فتطوقين وجهي وتقولين لي أنت أملي .

لا أعلم ما أذكره من ذاكرة رسمتها وشكلتها بأقلامي الحزينة لأشعر بوجودك بقربي فآه كم أحن لصوتك ولابتسامتك ولكلامك وليديكِ، على الرغم من أني لم أراك يوما ولم أسمع منك قولا ألا ما تحكيه لي أمي وقت تذكرك بحرقة فرحم الله ترابك الذي لف أجزائك وسلماً لروحك التي افتقدها بشوق فأنت ستبقين في مخيلتي وإن لم تكوني حاضرة في يوما أمام عيني

مي المصري