احذر .. خلفك مطب

ترتفع هذه الأيام وتيرة مداهمة الآبار المائية المخالفة وضبط الاعتداءات على خطوط المياه الرئيسية ، وهذا ما ذكرني بصديق رائع وفنان وموسيقي معتبر، وهو مبتلى بالعمى ، يعيش في إحدى القرى المحيطة بمدينتي .اضافة اعلان

ركبنا في سيارة لنوصله الى بيته ذات يوم، وكان يحفظ الطريق عن ظهر قلب ، وكان يقول للسائق :.
- انعطف يسارا وبعد عشرة امتار خفف السرعة ...هناك سرقة صغيرة .
فعلا ينعطف السائق فيجد أمامه مطبا صغيرا على الشارع، فيتجاوزه بهدوء.
ثم يقول الكفيف : - انطلق الى الأمام ، وبعد 350 مترا ستجد سرقة أكبر قليلا ، فخفف السرعة.
طبعا يجد السائق مطبّا متوسط الحجم، فيتجاوزه على عادته .
ثم يقول الفنان الكفيف :.
- الان خذ يمينك وستجد نفسك على الطريق الرئيسي ، لكن قبل بلوغها بأمتار ستجد سرقة كبرى.
انطلق السائق ، فوجد مطبّا كبيرا لا يمكن تجاوزه، دون وقوف السيارة بشكل كامل، ثم السير ببطء ، حتى لا تتضرر أجزاء السيارة السفلية بشكل مباشر وسريع.
وبعد أن استراح السائق من وعثاء الطريق (لا تسألوني عن معنى وعثاء) سأل صديقنا صاحب البصيرة عن معنى استبداله كلمة مطب بكلمة سرقة ، فقال له الفنان الأعمى:.
- هذه ليست مطبات يا صديقي ، ولا علاقة للبلدية ولا الأشغال بها ، هذه مواسير مياه مسروقة من خط المياه الرئيسي ومحولة الى المنازل والمزارع بدون عدادات . الصغيرة منها هي مجرد ماسورة نصف انش تعطي بيتا واحد فقط. والوسطى ربما تكون ماسورة تقارب الإنش وتسرق الماء للبيت والحاكورة ، أما السرقة الكبرى فقد تكون عدة انشات وتسقي مزرعة كبيرة ..وما تعتقده «مطب» ، هو مجرد تغطية شكلية للماسورة ..لكن الجميع يعرف انها سرقات.
لم اضحك عندما سمعت ما قاله الفنان ، بل شعرت بالاكتئاب ، لأنني تخيلت السرقات تظهر أمام الجميع عينك عينك ، لكن الجميع يعتبرها مطبات ويتعامل معها على انها مجرد مطبات.
بالمناسبة ..الفساد عندنا لا يحتاج الى دوائر وجهات لتكشفة ..فالجميع يراه ..حتى الأعمى.