الخميس 2024-12-12 10:57 م
 

الأدباء والصيف: الكتابة والقراءة لا تعرف ‘العطلة’ .. ولا تأخذ إجازة سنوية!

12:20 م

الوكيل - مع ارتفاع درجة الحرارة، يميل الناس – عادة- إلى الكسل والاستجمام.. فهل يبحث المبدع عن متعته الخاصة كسائر الناس أم يكرس شهور العطلة الصيفية لإنجاز ما تراكم من مشاريع القراءة والكتابة المؤجلة؟ وهل يؤثر تزامن الصيف مع الشهر الفضيل على طقوس الكاتب؟اضافة اعلان

في هذا التحقيق نحاول التلصص على المطبخ السري لأصدقائنا المبدعين..
أهم ما يشغل الشاعر المغربي محمد بلمو خلال الصيف هو إعداد وإنجاح المهرجان الثقافي، الذي يشرف على إدارته منذ دورته الأولى سنة 2001، مهرجان بني عمار بزرهون، الذي يحتفي بالحمار، ويتضمن فعاليات ثقافية وفنية واجتماعية ترفع من شأن الهامش وسكانه في جبل زرهون؛ ‘منذ 13 سنة وأنا أكرس الجزء الأكبر من فصل الصيف لتنظيم هذا المهرجان الذي يحظى بمتابعة إعلامية كبيرة تنافس أكبر المهرجانات المنظمة ببلادنا رغم الفارق الكبير والمهول بين ميزانيات تلك المهرجانات الخيالية والميزانية الفقيرة لمهرجاننا، الذي نستعد لتنظيم دورته الحادية عشرة تحت شعار ‘القراءة أساس المعرفة والحياة’ أيام 5 و6 و7 يوليوز المقبل بقصبة بني عمار ومدينة مولاي إدريس بزرهون’.
وبالنسبة إلى الكاتب العراقي محمود سعيد فإن الصيف فصل الكسل، ‘لكن المبدع يختلف عن باقي البشر، يبقى على وتيرة واحدة من التيقظ والحلم والطيران في عوالمه الخاصة ليل نهار، لا فرق بين هذا اليوم والآخر، بين صيف وشتاء، يبقى يفكر في عالمه الداخلي، وأجوائه الحميمة، سائحاً بين الكلمات والأفكار والشخصيات التي يبدعها، هائماً في أجوائها ونواحيها، تراه يقظان خارجياً لكنه سارح روحياً في كل مكان ولا مكان لا تأخذه سنة ولا راحة، عطلته فرحة تلي الإنجاز، وإنجازه شمس جديدة تشرق متى شاء، ومتعته الشخصية هي ما ينجزه من جديد لم يجترحه آخر، أما أوقات عمله فتشمل الأيام والساعات والدقائق كلها بلا استثناء، فلا تحسبن إن رأيته ساكناً لا يحرك أي عضو من أعضائه انه غافٍ أو نائم أو مستريح. لا هو في الحقيقة يعمل، يشكل ويركب، ويفكك ويمارس لعبة الخلق الدائم، إنه عالم خاص جدا جداً، إنه روح هائم لا يرتاح ولا يستريح من دون إبداع′.
أما الكاتب اليمني محمد الغربي عمران فيشير إلى أن صيف صنعاء ربيع، ‘لأن صنعاء ترتفع أكثر من ألفين وخمس مئة متر عن سطح البحر، فتجدني أكثر نشاطا في القراءة والكتابة صيفا.. وأكثر إنجازا’، لكنه يعتبر الشهر الفضيل ‘شهر فسحة الروح وإعطاء النفس مجالا لا تجده في أشهر السنة الأخرى، إلا في أجواء رمضان، ولذلك رمضان للروح والجمال والسهر’.
ويلمح الكاتب المغربي عبد الحميد الغرباوي إلى تباشير فصل الصيف قائلا : ‘الصيف بدأ فعلا، أو ألمح إلى قدومه القريب جدا بشمسه اللاهبة، وعندما ينشر هذا الرأي والذي يخصني لوحدي، وإن لم يرق للكثير من القراء أو أصيب فيهم مكمن الدهشة والاستغراب أو التقزز، وفي هذه الحالة لا ذنب لي في ذلك ما دمت قد استدعيت لأبدي رأيي بصفة ‘ المبدع′، فحتى لفظة مبدع هي مثار نقاش، ما علينا، فإذا كان القارئ يستطيع تحمل حرارة الصيف، فهو بالتأكيد قادر على تحمل سخونة هذه الكلمات… يسألني (ابن خالي) إن كنت أبحث عن متعة خاصة كسائر الناس مع ارتفاع درجة الحرارة، علما أن متعة الكاتب الخاصة، هي الكتابة بالدرجة الأولى، وكل وقته وحتى في فترات الاستجمام هو لا يني يقرأ و يكتب إلا أن طقوس الكتابة تختلف باختلاف الفصول، فنفسيته في الخريف ليست هي نفسها في باقي الفصول، وليس كل الكتاب محظوظين بالانتقال، خلال الصيف، إلى البحر أو الجبل، بعيدا عن مدنهم، كل حسب طاقته و قدراته المادية… لذا، يملك الكاتب قدرة أخرى، فله القدرة على السفر بعيدا وهو قابع في غرفته.. قدرة لا يملكها كل الناس، و قد يملكها من يتمتع بتقنيات ومهارات أن يحلم وعيناه مفتوحتان …
لا أظن أن للكتاب، أمثالنا، عطلة أعني عطلة نستريح فيها من عناء الكتابة، لأن جلنا ليسوا محترفي كتابة، لذا فلا تأثير للصيف على ممارسة الكتابة وكاذب، بل مدع من يقول إن بحقيبته مشاريع كتابة وقراءة مؤجلة، كتابنا يعيشون فوضى عارمة، ألم أقل إننا لسنا محترفين بمعنى ليست لدينا عقود مع دور نشر طويلة الأمد و لسنا ملزمين بتاريخ محدد؟’. وينتقد الغرباوي تلك العادة الرمضانية السيئة إن صح التعبير قائلا : ‘طبعا فقط في شهر الصيام، يتحول الليل إلى نهار و النهار، دون مؤاخذة، يتحول إلى معوض أو بديل لليل فلا يستقيظ الفرد إلا عندما يقترب آذان الغروب، وللتذكير فقط فصيام هذه السنة سيكون أطول من سابقيه، والله المعين’.
ويعتبر الكاتب المصري سمير الفيل هذا الفصل اللاهب ‘زمنا ذهبيا’ بالنسبة إليه شخصيا، ‘ففي هذه الفترة التي تمتد لأربعة شهور تذهب عائلتي إلى المصيف الشهير ‘رأس البر’ ـ بيني وبينه 15 كيلومتراـ وأبقى بمفردي في شقة صغيرة، أشاهد الأفلام، أكتب وأقرأ، أسمع الموسيقى العربية والسيمفونيات، وأتعرف دائما على الإنتاج الأدبي لأجيال جديدة. بحكم ضعف البصر صرت أكتب مباشرة على الكمبيوتر ثم أدفع بالنصوص لمن يراجعها. أحيانا أضع خطة محكمة للقراءة، ولكن زيارات الأصدقاء ونوبات من الكسل تعاودني، وكلما أوغل الليل تكون الفرصة سانحة لصنع نص سردي جديد مع كوب شاي بالقرنفل’.
ويصرح الفيل بأن أفضل كتاباته أبدعها في فصل الصيف ‘لكن هذه ليست قاعدة، المهم أن عزلة الكاتب توفر جوا هادئا للكتابة لكن فيما يبدو أن القلاقل السياسية، التي صاحبت الثورة المصرية جعلت القلم يتوقف بعض الوقت. الكاتب بالضرورة ليس منبت الصلة عن هموم الوطن ، وشخصيا أجد مصر تمر بمحنة حقيقية مع وجود قوى صاعدة لا تحترم الإبداع وتريد وضع الناس داخل قيود حديدية بدعوى الفضيلة.
الكاتب حر، وفي الوقت الذي يشعر فيه أن قفصا من الذهب يحيط به لن يستطيع فرد أجنحة الخيال، والتحليق في فضاءات الكتابة التي لا حدود لها ولا سموات تغلقها بالوعيد أو الوعود’.
ويشير الشاعر والناقد المغربي رشيد يحياوي إلى أنه لو كان بالإمكان تحيين الذكرى كي يعيشها من جديد في الزمن الراهن وليس في الزمن النفسي فحسب، لاجدد علاقة مبكرة له بصيف القراءة والكتابة. ‘فقد مثلت عطل الصيف في بدايات اهتمامي بالقراءة والكتابة خلوة مثمرة رسخت في وجداني مع تواليها ميلا روحيا نحو الكِتاب والكتابة ظل حيا في نفسي حتى الآن.
في ما بعد، أصبحت علاقتي بالقراءة الصيفية خاضعة لتوافر الشروط والظروف المساعدة عليها. غير أن فكرة تخصيص عطلة الصيف أو جزء منها للكِتاب، تظل حاضرة في الذهن طيلة الفصول الأخرى، وكأنها بارقة ضوء تبقي لنا الأمل بأن نتفرغ لمشاريع قرائية و كتابية تعذر علينا إنجازها وسط إكراهات العمل وباقي الالتزامات’.
ويؤكد يحياوي أن ‘حرارة الصيف لم تكن أبدا عائقا يحول بيني وبين الكتابة إذا توافر لدي الاستعداد النفسي والذهني ووجدت منفلتات من الالتزامات الكثيرة. أفكر هذه السنة مثلا في إكمال عدة مشاريع كتابية عالقة، كشأني في السنوات الفارطة. لكن نسبة نجاحي في إنجاز ما أفكر فيه تبقى رهينة مستجدات الصيف ذاته، ورهينة أيضا لاستعدادي النفسي والذهني. وهذه حالات عشتها متواترة في سنوات متعاقبة، بعضها تغلبت عليه، وكثير منها كانت له الغلبة علي’.
وترى الكاتبة المصرية انتصار عبد المنعم أن تتزامن العطلة السنوية مع حلول أشهر الصيف بحرها ‘الذي يأتي غازيا مستفزا لأفكار جديدة تماما كما يستفز الغدد العرقية. ولكن صيف الإسكندرية المليء بالضجيج يؤجل أغلب مشاريع الكتابة، التي أجبرنا على تأجيلها طيلة العام المشحون بالعمل وأمور الحياة اليومية على أمل إنجازها في فترة الإجازة الصيفية. فما بين جلبة المصطافين الذين يشدون الرحال إلى الإسكندرية كل عام، وموج البحر الذي ينادي في اشتهاء دائم، يمضي اليوم تلو الآخر دون كتابة. يأتي الليل وأدرك أن اليوم مضى بلا إنجاز يذكر، فأعقد العزم على استغلال نهار اليوم التالي في تعويض ما فات، ولكن يأتي الصباح ويمضي، ولا شيء سوى تأمل الطبيعة والبحر ونوارسه، التي تتواطأ معه كي تخلب الألباب وتصرف الأنظار بعيدا عن ورق الكتابة. وأكتشف أن لا وقت للكتابة في الصيف، الصيف للقراءة ، قراءة الطبيعة وقراءة تلال الكتب التي جمعتها طيلة عام مضى…’.
بدوره، تحدث الكاتب والناقد المغربي إبراهيم الحجري عن تحول الإيقاعات الزمنية مع مقدم فصل الصيف، ‘ففضلا عن تزامنه مع ارتفاع درجة الحرارة، وشهر رمضان الأبرك، فهو أيضا يستدعي طقوسا خاصة من لدن الجميع، حيث التحرر من الألبسة، والبحث عن مناطق منخفضة الحرارة، خصوصا أنه في الغالب يخلد الموظفون في الصيف إلى عطلهم السنوية، وما يصاحب ذلك من ضغوط مادية بفعل التزامات الأسرة ومصاريف التنقل وغيرها من إكراه اليومي.
وتنضاف هذه الأعباء إلى الطقوس التي تتطلبها خصوصيات الكاتب، فهو يسعى إلى الحفاظ على إيقاع التزاماته الأدبية من جهة، كما يحرص على إرضاء أسرته…
وشخصيا أغير نوعا ما من عاداتي. حيث أنظم بعض الرحلات الخفيفة إلى مناطق تتنوع بين البادية والشاطئ وبعض المواسم الفلكلورية التي تعيدني إلى زمن الذاكرة… وأكْثِر من القراءة على حساب الكتابة. وأميل إلى الفقه والقرآن الكريم، كما أواظب على القيام بطقوسي الدينية الرمضانية؛ وطيلة هذا الفصل الجميل أجدد الصلة بذاكرتي وببعض الصداقات القديمة، وأخلد إلى ذاتي لأسائلها وأجادلها بحدة عن الحصيلة والآفاق. كما أملأ مزودتي بما أقتنصه من مشاهدات وأفكار قد تهيئ لي أعمالا أستدفئ بها خلال فصل القر المقبل’.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة