الأحد 2025-01-19 08:59 ص
 

الاسـتجـابـة للصــوت العــالــي

08:50 ص

نمط سياسي تكرّس اردنيا قاد الاردن الى انتاج مناصب عليا دون انتاج نخبة سياسية او اجتماعية , بعد ان بات الصوت المرتفع والغاضب هو اقصر الطرق للحصول على وظيفة عليا او للمحافظة على موقع مهزوز , دون تدرجات الوظيفة التقليدية او دفع استحقاق ولوج نادي النخبة على مسربيه الاجتماعي والسياسي .اضافة اعلان

إسقاط المتتالية السياسية والاجتماعية في الاردن , كشف عورة في بناء الوظيفة العامة وعورات في البناء الاجتماعي وكشف عن اهتزاز المسؤول الاردني وعدم صلابته , فالصوت الغاضب بصرف النظر عن صدقية صوته حصل على مكاسب عامة وضمن موقعا على حساب اخرين اكثر كفاءة وتأثيرا , فغاب الادب السياسي وفقه الاختلاف وبات المجتمع ساحة للقذائف الصوتية والاتهامية .
في الموروث السياسي الاردني ثمة علامات اساسية للوصول الى مقاعد النخبة , اولها الجغرافيا السياسية التي ظلّ معمولا بها لسنوات طويلة على اسس منهجية , فالكفاءة والولاء علامتان بارزتان في الحصول على المقعد الجغرافي , فأنتجت المحافظات كفاءات علمية وسياسية دخلت نادي النخبة , وتكفي مراجعة اسماء طبقة النخبة الاردنية حتى ثمانينيات القرن الماضي لنعرف اهمية الجغرافيا السياسية ونمط انتاجها السياسي .
الميزان اختل في تسعينيات القرن الماضي ودخلت عوامل فرضتها معاهدة السلام على المشهد السياسي , وبدل البناء على سلوك احتضان الاصوات المعارضة كما في النهج السياسي السابق جرى القبول بأصحاب الاصوات المرتفعة على حساب صوت المعارضة الذي منح عقل الدولة انفتاحا وأفقا ساعد صاحب القرار , فاستقطاب المعارضين في السابق من امثال وصفي التل وذوقان الهنداوي وابراهيم بكر وسليمان الحديدي وخالد الكركي وكمال ناصر اضاف تنوعا الى عقل الدولة ورفع من درجة استجابة الدولة لعواصف الاقليم التي عصفت بالساحة الداخلية .
الاستجابة لاصحاب الصوت المرتفع فرض نمطا سياسيا واحدا داخل عقل الدولة اثمر عن تكلس سياسي وفقدان مرونة الاستجابة للاقليم وللتطورات المحلية , فالصوت المرتفع خال من الدسم السياسي وعاجز عن اجتراح الحلول , لأن ازمته ذاتية ويركب من خلال ازمته على الازمة العامة , بمعنى انه يركب الازمة للوصول ولا يملك ادوات للحل , فتكلّس العقل اكثر وبات غير قادر على الاستجابة للحلول او ابتكارها , فجرى تدوير الازمة وترحيلها من مرحلة الى اخرى مع اغفال المناعة التي يكتسبها الفيروس من العلاج الخاطئ مما يرفع فاتورة العلاج .
اكثر تجليات ازمة وصول الصوت العالي ظهرت في مرحلة الحراك الشعبي المتزامنة مع الربيع العربي , التي كشفت كل امراض المجتمع الاردني , وظهر الخلط واسعا بين الاوجاع الصادقة للمهمشين سياسيا واقتصاديا في المحافظات وشرقي العاصمة وبين اصحاب الصوت المرتفع الذين استثمروا في الاوجاع الصادقة لحسابهم الخاص , فوقع عقل الدولة في المأزق مجددا باستجابته لاصحاب الصوت العالي على حساب الموجوعين وممثليهم الذين حافظوا على ادب الاختلاف السياسي وحافظوا على هيبة الدولة وصورتها , وزادت الهوة مع كل تعيين او استرضاء .
الازمة تفاقمت بعد ان انتج عقل الصوت العالي خلطا مقصودا بين الاستجابة للاوجاع الصادقة وبين الرضوخ للمطالب , فبات قبول الدولة لأي اقتراح قادم من الشارع الشعبي والسياسي مرفوض لانه حسب عقل الصوت العالي رضوخا لا يليق بالدولة وهيبتها ونجح الواصلون بالصوت العالي في تعميق الازمة واستفحالها بعد ان نجحت في تبطيء كل المبادرات السياسية والاقتصادية الخلاقة التي اطلقها الملك , والتي تلمست احتياجات المحافظات والفقراء واعادت الامل بانعدال الحال والاحوال .
ازمة المهادنة والاسترضاء لاصحاب الصوت العالي فاقم الابتعاد عن مشاريع الدولة وحمل مبادراتها , لأن الصوت المعتدل والعاقل دخل في خانة الاستبعاد والمضمونية , وساد العقل الواحد وغابت فضيلة التنوع عن عقل الدولة , تلك الفضيلة التي منحت الدولة منعتها وقوتها طوال عقود , ولا حل الا بالعودة الى اصول فقه السياسة الاردنية بتنويع عقل الدولة .


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة