الوكيل - تضيف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، كل عام مجموعة من الفنون واللغات المهددة بالانقراض إلى قائمة التراث الإنساني، ولكن بعد هذه الاضافة يتوقف اهتمام المنظمة بهذه الثقافات المُدرجة في سجل التراث الانساني ،التي يفترض أن تقام حولها الدراسات والندوات لتوثيقها وتسجيلها وتعريف العالم بها على اعتبار أنها أصبحت ضمن التراث الانساني، في المقابل نجد أن الجهات المعنية بالثقافة في الدول التي رشحت بعضا من مفردات ثقافتها لإدراجها في اليونسكو غير مبالية بما تم إدراجه وكأن الهدف من الوصول إلى قائمة اليونسكو هو لحجز مكان لهذه الدولة أو تلك، وليس الاهتمام بالمفردة الثقافية المدرجة، التي يتوجب بذل الجهد في تعريف الاجيال القادمة بهذا التراث الإنساني وادراجه في المناهج الدراسية وفي المقررات الجامعية للطلبة للتعمق فيه أكثر.
لقد شاركت في إعداد ملف لفن من الفنون العمانية وهو فن البرعة، الذي أدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في نوفمبر 2010 ضمن قائمة التراث الإنساني، ليكون بذلك إرثا ثقافيا عالميا، إلا أن الجهات القائمة على الثقافة في عُمان لم تقدم أي شيء يذكر تجاه هذا الفن إلى الآن، وكنا نأمل من اليونسكو أن تقدم دعمها المادي والمعنوي للمفردات الثقافية المدرجة في قائمة التراث العالمي غير المادي، نظرا للأخطار المحدقة بهذا التراث وتعرضها للنسيان وللإهمال، ولكن المنظمة العالمية حذت حذو الجهات الثقافية في عُمان، ولم تقدم شيئا للبرعة إلا تدوينها بالحبر في سجلات اليونسكو.
وللتعريف بفن البرعة نقول إن فن البرعة ما هو إلا واحد من الفنون الشعبية الموسيقية التي تزخر بها السلطنة، إذ ساعد الموقع الجُغرافي للسلطنة على ثراء الثقافة العُمانية وظهور البُعد الإنساني في المكون الثقافي العُماني، فقد انفتحت عُمان على الثقافات المجاورة واستوعبت مفرداتها، مثل الثقافة الفارسية والثقافة الهندية وثقافة السواحل الأفريقية، إضافة إلى الثقافة العربية المتأصلة في الأراضي العُمانية منذ القدم.
وقد تكيفت تلك الثقافات مع الثقافة العُمانية التي نجحت في احتواء الآخر وهو الجزء، دون أن يتغلب على الكل (الأنا)، وقد انعكس ذلك على عملية التمثيل الثقافي التي تعمل على إضعاف الاختلافات التي توجد بين الأفراد أو بين الجماعات، كما تعمل على زيادة مظاهر الوحدة، وتوحيد الاتجاهات والعمليات العقلية التي تتصل بالمصالح والأهداف المشتركة، وهو ما نجده حاضرا في المجتمع العُماني حيث يسود التسامح وتقبل الآخر، وهذا ما يميز المجتمع العُماني عن غيره من المجتمعات.
ومن هنا نقول ان الثقافة العُمانية المادية أو اللامادية متميزة عن غيرها من الثقافات، نظرا للتراكم الثقافي المتمثل في إيجاد وابتكار المواد الجديدة في المكون الثقافي، ونجد ذلك واضحا في العديد من المجالات الثقافية مثل الموسيقى، والأكلات الشعبية، وهندسة البناء والعمارة كبناء القلاع، وشق الأفلاج، وغيرها من المجالات.
ويضم كل مجال من المجالات السابقة الذكر، كنوزا ثقافية تحمل في طياتها أصالة فريدة، قلما نجد تشابها لها في أماكن أخرى، ومن تلك الكنوز فن البرعة، التي تُعد من الأنماط الموسيقية العُمانية التقليدية، وسنتحدث في الصفحات التالية عن تسمية النمط الموسيقي، وعن أماكن انتشاره وطريقة أدائه.
البرعة في اللغة:
التبرع في اللغة: مأخوذ من برع الرجل وبرع بالضم أيضا براعة، أي: فاق أصحابه في العلم وغيره فهو بارع، وفعلت كذا متبرعا أي متطوعا، وبرع: تعني كل شيء تناهى في جمال أو نظارة .
ومن خلال بحثنا عن العلاقة بين فن البرعة وبين لفظ تبرع، وجدنا ، أن الشخص الذي يرغب في أداء البرعة، كان يعطي صاحب الفرقة الغنائية مبلغا من المال، أو هدية عينية من الأرز أو القمح، أو الذرة، من أجل السماح له برقص البرعة، وهذه الهدية أو المبلغ عبارة عن حجز دور للمتبرع، إذ لا يُسمح للجميع بالرقص، وكان مقتصرا على عدد من الراقصين المعروفين، نظرا لصعوبة الأداء وإتقان القواعد الحركية لهذا الرقص.
ومن هنا يحمل هذا الفن أحد معاني التبرع، أما أنه براعة، أي إذا فاق الرجل أصحابه في أداء هذا الفن، وهو أداء يحتاج إلى حنكة وبراعة في أدائه ، أو أن معناه مأخوذ من تبرع الراقص بماله لأجل صاحب الفرقة، لذلك ارتبط هذا الفن بالتبرع.
تعريف البرعة وأماكن انتشارها:
يمكن تعريف البرعة: على أنها من الأنماط الموسيقية التقليدية العُمانية التي تُمارس في محافظة ظفار، ومنها انتشرت إلى بعض بقية المدن الساحلية في المنطقة الشرقية مثل صور وجعلان، والأشخرة، ومن المحتمل أن يكون الاتصال البحري بين مدن المنطقة الشرقية، ومدن محافظة ظفار الساحلية (صلالة، مرباط، طاقة)، وهو العامل المُساعد على انتشار هذا النمط وتغلغله إلى المنطقة الشرقية، إذ يقتصر أداء هذا النمط في البيئة الساحلية لمحافظة ظفار، ولا نجد له حضورا في المناطق الجبلية من المحافظة حيث تسود أنماط موسيقية وفنون أخرى تؤدى باللغة الشحرية مثل (النانا، والدبرارت).
طريقة أداء البرعة :
يُقام فن البرعة في المناسبات الاجتماعية ( الزواج، حفلات الختان، والمسيلموت) كما يُقام في المناسبات الوطنية ( مهرجانات الأعياد الوطنية، والمهرجانات السياحية)، ويُقام أيضا للتسلية ولإضفاء الفرحة والبهجة على الجمهور.
من المتعارف عليه أن البرعة يؤديها اثنان من الرجال في المناسبات الاجتماعية، أما في المهرجانات الوطنية فيمكن التغاضي عن هذه القاعدة، وترك المجال مفتوحا أمام أعداد كبيرة من المشاركين، دون التخلي عن الأداة الرئيسية في الأداء وهي الخنجر، وكذلك الدشداشة العُمانية، إذ لا يصلح أداء البرعة إلا بلبس الدشداشة والمصر أو الكمة، وهي ضروريات يحرص كل مؤدي على ارتدائُها قبل النزول إلى ساحة الرقص، والتي تكون عادة على شكل مربع أو مستطيل، لكي تسمح بحركة المؤدين أمام الفرقة الغنائية.
يجلس الراقصان على رؤوس أصابعهم أمام الفرقة ويلتقطون الخناجر التي توضع عادة على الأرض عند المُغني، وعند دق الطبل يقفان، ويمسك كل مؤد بمقبض الخنجر في يده اليمنى، ويكون نصل الخنجر في اتجاه الجمهور، حفاظا على سلامة المؤدي، حينما يرفع الخنجر وينزلها في اتجاه الكتف الأيمن حسب حركة صعود القدم عن الأرض ونزولها، بينما تمسك أصابع اليد اليسرى بوسط الدشداشة مع لفها، حتى يصبح زي المؤدي متناسقا وأنيقا، للحفاظ على المظهر الحسن أمام المشاهدين الذين يحكمون على أداء الراقص ويسمون (النُقاد).
يرفع الراقصان مقدمة قدميهما وينزلانها، تبعا لصوت الطبل، حتى يضبطا حركتهما، وينسجما مع الطرب، ثم يرجعان للخلف، ثم يتقدمان، ثم يرجعان، ثم يتقدمان، وحينما يبدأ صوت المردين (الكورس) للأغنية بعد المُطرب، يلف المؤديان في حركة دائرية على اليسار ثلاث لفات، ولا يجوز أن يلف المؤديان في وسط الساحة، بل يجب أن يكون اللف في نهاية الساحة أو في بدايتها عند المطرب وأعضاء الفرقة.
وتنتهي جولة البرعة بنهاية الأغنية، إذ يأتي راقصان آخران، ويحلا محل الاثنان المنتهية جولتهما.
يقوم مؤدي الرقص في الماضي، بحجز أغنية يطرب لها وينسجم معها، من رئيس الفرقة، ويضطر إلى دفع مبلغ مالي مقابل ذلك، ولا يؤدى الراقص للبرعة إلا بوجود صديقه الذي يعرف حركات صاحبه مع الطبل، وحركة دورانه ورفع الخنجر ووضعها على المصر أو الكمة.
تؤثر حركة المتبرعين على المُغني إيجابا أو سلبا، فيسنجم مع براعتهم في الأداء ويطرب، ويتهاون كلما رأى تناقضا في الأداء أو عدم توافق في حركات الراقص مع صاحبه.
الآلات الموسيقية المصاحبة للبرعة :
تُستخدم في البرعة الآلات الموسيقية الإيقاعية والهوائية : الناي، وطبل الرحماني، وطبل الكاسر، والمرواس، والدف، وقد طرأت مؤخرا على البرعة بعض التغيرات، مثل إدخال الآلات الوترية في الغناء، ومن الذين أدخلوا العود في البرعة، الفنان محمد حبريش، والأخوين صالح وسعيد أبناء فرج الغساني، ويُعد المرحوم جمعان ديوان من الشعراء الذين يغنون قصائدهم في البرعة، دون مصاحبة آلات وترية.
لا يزال فن البرعة قائما في محافظة ظفار وحاضرا في كثير من المناسبات الاجتماعية والوطنية، ولكنه لا يزال بحاجة إلى إدراجه في المناهج الدراسية وفي المقررات الدراسية في الجامعات والكليات المعنية بالعلوم الانسانية ، وإقامة الندوات حول هذا الفن وغيره من الفنون العمانية حتى يتعرف الاجيال على المفردات الثقافية العمانية والتي يشاركهم فيها الانسان الآخر على اعتبار ان الفنون أصبحت مدرجة ضمن قائمة التراث الانساني غير المادي.
*كاتب من عُمان
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو