الخميس 2024-12-12 07:58 ص
 

السبات المبرمج

03:28 م

بقلم ... د. رضا المومني



أطل علينا الربيع العربي قبل ما يزيد عن عام ونصف وقد جاء بكل ما له وما عليه من القيل والقال حول الاسباب والدوافع والاهداف ,جاء حاملا معه لنا وفي نفوسنا الكثير من الآمال والأماني والعظيم من البشائر وقد غمرنا نحن غالبية هذا الشعب ,غالبية هذة الامة بفيض من الفرح الغامر الذي لم نستشعره من قبل في تاريخنا المعاصر .صحيح ان الشعارات التي رفعت والاصوات التي علت بل والدماء التي سالت ولا تزال تسيل كانت كثيرة واحيانا مختلطة بل ومتعارضة لدرجة ان احدنا كان لا يكاد يدرك اين يقف والى اين يسير في ظل ضبابية فكرية ومسلكية واحداث لم نجربها من قبل ولا خبرة ولا دراية بها لدى المعارضة والموالاة على حد سواء . اضافة اعلان

أتانا الربيع العربي والاوضاع العامة متردية حيث الفساد وقد بلغ درجة علاجها ليس من السهولة بمكان فقد تجذر في المجتمع واصبح عملية منظمة تملك مرجعيات تخطط وأدوات تنفذ وآليات تتبع حتى أصبح هذا الفساد يحمل صفات الجريمة الكاملةالتي لا يمكن لأحد ان يصل الى منفذها . أتانا الربيع العربي والاستبداد بكل أنواعة السياسية والادارية والامنية والفكرية والمعيشية الطبقية يثقل كاهل الامة أفرادا وجماعات ,هذا الاستبداد لم يكن مستحدثا فينا فقد الفتة الامة منذ قرون ,مذ أخذ معاوية بن سفيان البيعة بالاكراة بالسيف أو المال.
ومر بنا أو علينا هذا الربيع ونراة الآن يمضي وقد تركنا كما كنا من قبل على حالنا يعتصرنا الالم وتعضنا انياب الشعور بالعجز والضعف والهزيمة وتنتابنا حالات من الشك والريبة بقوانا العقلية حين تبين لنا وعبر الابواق الاعلامية وآلات غسل الدماغ العملاقة ان اوضاعنا كانت دائما على خير ما يرام وأن ما كنا نراه ونعتقدة من وجود للفساد والاستبداد ما هو الا اوهام صورتها لنا نفسيتنا المريضة وأن علينا أفرادا وجماعات ان نسرع الى أقرب مصح للامراض العقلية لعلنا ندرك الدواء ونبلغ وافر الشفاء باذن الله.
هكذا صارت تسير بنا الامور يتحرك الواحد منا كالانسان الآلي مبرمج للبحث عن لقمة العيش حيثما كانت وكيفما كانت الوسيلة المتاحة للحصول عليها ,مبرمج على الانحناء امام الصالح والطالح حسب قانون التوسط والمحسوبية وشرعة النفاق والعناق,مبرمج على الصمت على كل ما يراه من صنوف الانتهاك الجريء للنظام العام والتعدي الفج على المال العام , مبرمج على الهتاف والتصفيق بدون ادنى درجة من التفكير واعمال العقل في ما يقال وفي ما يحدث أمام ناظريه, مبرمج على النوم بعيون مفتوحة وقلب مثقل بالهموم وفكر مضطرب .وفوق كل هذا وذاك وبالرغم من فعالية كل أنظمة البرمجة الحديثة بالغة الدقة الا ان الواحد منا تراه فجأة ولأتفه الاسباب ينفجر بشكل جنوني في لحظة من اليقظة من السبات الاصطناعي خارج حدود البرمجة المقرره والسيطرة الفعالة ولكن انظمة البرمجة المتطورة سرعان ما تحتوي هذا الانفجار ليعود الانسان منا الى سباته المبرمج تحت اسم (عودة الوعي ).
أن عقلية القبول بالاستبداد هي بدون أدنى درجة من الشك هي جزء لا يتجزء من موروثنا الثقافي منذ انتهت سنوات الخلافة الراشدة ,تشكلت سياسيا عبر أساليب الترغيب والترهيب وتجذرت عبرمنطوق الفتاوي التي جرت ولا زالت تجري على السنة علماء السلاطين فاصبح الاستبداد والقبول به من فرائض الدنيا والدين وانكاره يخرج المرء من الملة ويحرمه نعيم الدنيا والآخرة وهل هناك عقاب أشد من ان يخسر الانسان منا دينه ودنياه كما يدعون .هذه هي العقلية التي نساس بها هنا وهناك ,عقلية تلغي الفكر وتحرق المنطق فلقد قالوا (من تمنطق فقد تزندق) أي ان كل من أعمل الفكر والمنطق هو زنديق خارج عن الملة والدين .هذا وللاسف ركن أساسي من اركان موروثنا الثقافي المصنع حسب الطلب ,غير المرتبط منهجا ومنطلقا بديننا الحنيف الذي يحضنا ليل نهار على اعمال العقل في كل ما يتصل بانفسنا وبما حولنا على الارض وفي سائر محتويات الكون .
مر بنا وعلينا ما أسموه بالربيع العربي وما يسميه البعض منا موآمرة الفوضى الخلاقة
مر ونحن ننظر اليه بارتياب وتوجس وبفكر مبرمج على الرفض وبذكاء مصطنع وعيون مبصرة فاقدة للبصيره وكأن المديونية لم تتضاعف ,وكأننا عاجزون عن فهم الاسباب والدوافع والاساليب والادوات ,عاجزون عن الفهم بان البلد بكل مقوماتها الاقتصادية الفوقية منها والتحتية قد بيعت بالثمن البخس والمال العام الذي هو من الشعب ووجوده ووظيفته هما لخدمة الشعب هذا المال قد تعرض للنهب باسلوب متقن وممنهج ونحن عاجزون عن استعادته ولو بالحسنى ,عاجزون عن استشعار حجم الفساد المستشري في النفوس وفي الجهاز الاداري للدولة والقطاع الخاص.
لقد اصبحنا نتبرم حتى من ذكرالدعوة للاصلاح ومحاربة الفساد ونتشدق بوصفها بالدعوة للفتنة ,لعن الله موقظها ,حينا واجندات خارجية هدامة حينا آخر,هكذا وتتم برمجتنا عن طريق آلات غسيل الدماغ المحلية والمستوردة والمطلوب منا ان بقى صامتين مرتاحين من عناء التفكير فهناك من يفكرفينا وعنا اكثر منا نحن انفسنا,المطلوب منا ان نكون ولا نكون ,غثاء كغثاء السيل ,كائنات تأكل الفتات وتشرب الثمالة وتنام على حصير من الهموم وتحلم أنها تحلم بالخير وراحة البال .

د. رضا مومني
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة