الوكيل- قال القيادي في الحركة الاسلامية الدكتور ارحيل الغرايبة أحد اعلام الحركة الاسلامية والوطنية في الاردن ان الاصلاح في الاردن يجب ان يتم بالتفاهم بين جميع الاطراف، مؤكدا ان الخروج الى الشارع يجب ان لا يؤدي الى القطيعة. واضاف الغرايبة في حوار مع أسرة «الدستور» امس اداره الزميل الاستاذ محمد حسن التل رئيس التحرير المسؤول، ان بعض الاطراف لها مصلحة بألا يكون هناك تفاهم وتقدم نحو الاصلاح وان هذه الاطراف من مصلحتها ان لا يتغير قانون الانتخاب وان لا تأتي الحركة الاسلامية والقوى السياسية للمشاركة، مشددا على ان الاختلاف داخل الحركة الاسلامية يجري تضخيمه والاتكاء عليه للهروب من بعض الاستحقاقات، وقد التزمنا بألا ندخل في مناكفة مع الحركة الاسلامية حول مبادرة «زمزم» وعلى كل العقلاء الابتعاد عن منهج التخوين والتكفير والاقصاء والاستفراد.. فساحة العمل الوطني تتسع لكل من يريد الخدمة ولسنا بحاجة الى البقاء في مربع الخلاف والمناكفة. واكد الغرايبة على انه لا يجوز ان يغلق باب الحوار وان نتمترس حول رأي، سواء من الطرف الرسمي او من المعارضة، فبقليل من المرونة يمكن ان نصل الى الاصلاح اذا كنا جميعا نريده.
وقال الغرايبة ان المشروع الحضاري الاسلامي الكبير، لم يعد سلعة للحركة الاسلامية وحدها.
وفي ما يلي نص الحوار:
الزميل التل
بسم الله الرحمن الرحيم، نحن سعيدون في دار «الدستور» بمعيتكم أنا وزملائي، كرمز وكعلم من أعلام الحركة الإسلامية والوطنية في الأردن، وكعالم أيضاً وكصاحب مبادرات جريئة دائماً، فنحن نتابعك، وأنت صاحب الفكر النظيف وصاحب القلم الجريء والنظيف، وقلمك ليس محصورا داخل إطار حزبي، بل هو مفتوح على مستوى الوطن، ولك قراء على مستوى المملكة، لأنك تكتب في الشأن السياسي والشأن الاجتماعي وهذا هو العمل الحزبي الحقيقي، وهذا ما أراده حسن البنا من الإخوان المسلمين، أن يكونوا جزءا فعالا وايجابيا في كل شأن مجتمعي، فأهلاً وسهلاً بك.
بداية، الحالة السياسية التي يشهدها الأردن الآن، هناك من يصنفها بأنها حالة سياسية صعبة. هناك قطاع كبير على الساحة السياسية يقول إن المسؤول الأول عن هذه الحالة هو الحركة الإسلامية، وبالذات الفريق المتشدد في الحركة الذي عزل الإخوان عن العملية السياسية بشكل عام، وكان وراء هذا الجمود الذي نراه على الساحة، وهذا التحفز من كل الأطراف.. فنرجو من الأخ العزيز الدكتور ارحيل أن يعطينا رأيه في ما سلف.
- الغرايبة: بسم الله الرحمن الرحيم. أنا شاكر لجريدة الدستور ولرئيس تحريرها الأستاذ محمد حسن التل، وكل الإخوة الصحفيين الأعلام المعروفين على مستوى البلد.
أنا أشترك مع الإخوة الذين يقرؤون المشهد بأن هناك حالة من الأزمة السياسية، وأنا لا أحمل الأزمة لطرف بعينه، بل أقول إن كل الأطراف الفاعلة في المشهد تتحمل جزءاً من المسؤولية. أعتقد أن الأطراف الرسمية تتحمل جزءا من المسؤولية، وأيضاً لا أبرئ أطراف المعارضة جميعها بلا استثناء بما فيها الحركة الإسلامية لأنها جزء من المشهد ويجب أن تبذل جهودا كبيرة من أجل عدم الوصول إلى الجدار، فكل هذا جهد ملحوظ في محاولة إيجاد ثغرة وإيجاد انفراج سياسي، لكن، نقول إنه في مثل هذا الوقت يتبين الدور الحقيقي للأطراف السياسية، وفي مثل هذه الأزمات وفي مثل هذه الحالة يجب أن يبرز الدور السياسي للبحث عن مخارج.
أعتقد أنه لغاية الآن لا يتضح في الأفق أننا نسير نحو انفراج يحل الأزمة، وأعتقد أن السير نحو الانتخابات دون توافق ربما لا يشي بأننا نسير نحو مجلس نيابي جديد قادر على أن يحل الازمة وأن يخرج بالبلد من هذه الحالة، خاصة الآن في ظل الربيع العربي بعد مرور سنتين والطموحات الشعبية الكبيرة التي تعلقت في أذهان الكثيرين، سواء كانوا يتعاطون السياسة أو لا، كانوا يظنون أننا مقبلون على حالة متقدمة، وعلى مستوى الأردن بالذات أن يحتل موقعه المتقدم في الدول الديمقراطية وأن يشكل نموذجاً متميزاً في الإصلاح، نصل به إلى مستوى مقبول من الديمقراطية ولكن بطريقة سلمية حضارية ومشاركة جميع الأطراف، ودون أن نلجأ إلى العنف أو الفوضى، وأن لا نسوق البلاد إلى حالة من الخسائر على جميع المستويات.
أرجو ألا يتلاشى هذا الأمل، وأعتقد أن الأطراف ما زالت معنية حتى هذه اللحظة بأن تشترك جميعاً في إعادة قراءة المشهد وفي محاولة الوصول إلى حالة مرضية في الأردن تليق بالأردن وتليق بالشعب الأردني القادر على صناعة نموذج من الإصلاح، مع الإصرار على النموذج السلمي المتدرج البعيد عن العنف والتطرف والتعصب.
* التل: هناك من يحمِّل الإسلاميين المسؤولية، لأنهم أساس الحركة الشعبية والحزبية في الشارع الأردني، وإذا وصلوا مع الدولة لحل وسط فستنفرج الحياة السياسية في الشارع الأردني.
- الغرايبة: أنا أؤيد فكرة أن الحركة الإسلامية معنية بتقديم حلول كما الطرف الرسمي أيضاً معني بالاستجابة لأن الشعب الأردني اتفق على أنه يريد إصلاح النظام، وأنا برأيي ان هذا الشعار ميز الأردن عن كل دول المنطقة الأخرى التي رفعت شعار (إسقاط النظام).
رفع شعار إصلاح النظام يقتضي أن تسير الجهود نحو التوافق، وردم الهوة وبناء الجسور بين الأطراف، ولذلك عندما نقول إصلاح النظام، فبمعنى آخر أن الإصلاح يجب أن يتم بتفاهم، بمعنى أن النشاطات والمظاهرات والخروج للشارع يجب أن لا تؤدي إلى القطيعة ولا إلى مزيد من الفجوة بين الأطراف السياسية، ولا يؤدي إلى التعبئة المتصاعدة نحو العنف، ولذلك أؤيد أن الذي تم التوافق عليه بين جميع الأطراف الأردنية يقتضي منا جميعاً أن تكون هناك مبادرات للتقارب وأن نبني الثقة ونهدم الهوة ونقلل الفجوة، ويكون هناك جسور للتفاهم حتى يتم الإصلاح بهذه الطريقة.
* الدستور: عندما نتحدث عن مبادرات للتقارب والجسور التي تقرؤها وأن لا نصل للحائط، فهل هناك مبادرة قدمتها الحركة الإسلامية؟.. اليوم، كان لديكم لجنة للإصلاح أو المصالحة وتقارب وجهات النظر فيما بينكم، هل هناك موقف موحد من الحركة الإسلامية يعزز المبادرة أو يأخذ المبادرة إلى مناحي التنفيذ؟.
- الغرايبة: اطلعت على بعض الجهود، وأسهمت على الأقل من طرف الحركة الإسلامية بمحاولة الوصول إلى حلول، أو مبادرة، وكان هذا بالتعاون أو عن طريق العين بسام العموش. والدكتور العموش له علاقات مع الحركة الإسلامية وتاريخ طويل فيها، بالإضافة إلى أنه قريب من المسؤولية، وقد بلورنا معاً محاولة لإيجاد صيغة، ربما تكون هي المشروع الأول الذي يمكن مناقشته.
هذه المبادرة تقوم على مجموعة من العناصر: العنصر الأول تغيير قانون الانتخاب، وبالذات كسر الصوت الواحد. العنصر الثاني محاولة تشكيل حكومة قريبة من نبض الشعب، فيها شخصيات وطنية تحظى بثقة الأطراف السياسية المختلفة بما فيها المعارضة. العنصر الثالث إعادة النظر في المعايير والأسس التي يتم عليها تشكيل مجلس الأعيان، بحيث يعكس صورة المشهد السياسي. بمعنى أن المعارضة إذا حصلت مثلاً على 40 مقعداً يكون لهم في مجلس الأعيان 20 مقعدا. العنصر الرابع يتعلق بإيجاد انفراج سياسي حقيقي أو مشاركة سياسية حقيقية مع الأطراف السياسية، عن طريق أن تكون لهم حصص تتناسب مع حجم الشارع في المؤسسات، في المديريات العامة، مدراء عامين، سفراء، إلى غير ذلك، حتى تكون هناك شراكة، فليس من المعقول أن يكون هناك حظر على القوى السياسية وتطلب منها المشاركة ولا يكون لها وجود لا في وزارة الخارجية ولا الداخلية ولا محافظين ولا مدراء عامين.
هناك نقطة أخرى تتعلق بالانتقال نحو تشكيل حكومة برلمانية حقيقية. بمعنى أن القوى السياسية التي ستكون في البرلمان يكون لها حضور في الحكومة بمقدار حضورها في البرلمان. وهناك نقطة أخيرة تتعلق بالمطالب الأساسية في التعديلات الدستورية، حيث قلنا إنه يجب أن يتم الاتفاق عليها بأن تتم في السنوات القادمة بعد انتخاب مجلس النواب الجديد، وتكون عن طريق المجلس، لكن، يكون هناك تعهد بأننا سائرون نحو هذه التعديلات الأساسية خاصة في ما يتعلق بالثلاث قضايا الأساسية: القضية المتعلقة بتشكيل الحكومة، والقضية المتعلقة بانتخاب مجلس الأمة وأن يكون مجلس الأمة سيد نفسه.
هذه النقاط الست قلنا إنه من الممكن أن يتم التفاوض عليها. ورأينا جدولة التعديلات الدستورية، بأن تكون خلال سنتين أو ثلاث أو أربع من عمر البرلمان القادم. وبالفعل، فإن الدكتور بسام العموش حمل هذه المبادرة وذهب بها وعاد، لكن الجواب كان بالترحيب بكل القضايا، وهي قضايا محقة، وبرأيه أنه كان هناك تقبل إيجابي، لكن، يبدو الآن أن الوقت تقدم، وهذا بحاجة لجهد.
بمعنى آخر، قال الدكتور بسام إنه ينصح بأن تتم المشاركة بدون شروط، وفي المستقبل يكون هناك أمر آخر. وبرأيي أن هذه الإجابة هي التي أغلقت باب الحوار، وأصبحت هناك محاولات أخرى لا ترقى إلى هذه المحاولة لا من حيث الجدية ولا من حيث المضمون.
لا أعلم من كان السبب في عدم نجاح هذه المبادرة، لكن الحركة الإسلامية حاولت أن تقدم، ويبدو أن هناك أطرافا لها مصلحة بأن لا يكون هناك تفاهم وتقدم نحو الإصلاح. بعض الأطراف من مصلحتها أن لا يتغير قانون الانتخاب، وبعض الأطراف ترى أن لا تأتي الحركة الإسلامية ولا تأتي القوى السياسية للمشاركة، لأنه برأيي أن تغيير هذه المعادلة يؤثر على وجود بعض الناس واستئثارهم بالسلطة والقرار والمناصب، فهم يريدون أن يبقوا مستأثرين بها إلى أطول فترة ممكنة أو للأبد، لذلك، أعتقد أن هؤلاء ما زال صوتهم مؤثرا وما زالوا قادرين على إعاقة مسيرة الإصلاح.
* الدستور: تحدثت عن أن الحركة الإسلامية مطالبة كغيرها من المعارضة بتقديم حلول، وعلى الطرف الآخر الاستجابة.. لكن الحركة الإسلامية لم تقدم إلا شروطا ومطالب، فلم نر أنها تقدمت بحلول؟.
ثانياً: ألا تعتقد أن هروب أو لجوء الحركة الإسلامية إلى الشارع جزء من هروبها من خلافاتها الداخلية؟.
ثالثاً: ألا تعتقد أن المبادرة تتقاطع مع جزء من أجهزة الدولة وتعتبر إنذارا إلى الحركة الإسلامية بشكل عام؟.
أخيراً: سمعنا أنكم عرضتم مبادرة على الإسلاميين أو على القيادات بما يسمى بمجلس النواب المؤقت، فهل هذا صحيح؟.
- الغرايبة: قلت إنه كانت هناك محاولات لتقديم بعض المقترحات، وأتوقع أنه لو التقطت هذه المبادرة وتم البناء عليها لكان يمكن أن تنجح، فقد كانت هناك جهود مبذولة من الحركة الإسلامية في هذا المجال.
بالنسبة للاختلاف داخل الحركة الإسلامية، فأعتقد أنه يجري تضخيم هذا الاختلاف داخل الحركة وتكبيره والاتكاء عليه أحياناً من أجل الهروب من بعض الاستحقاقات.
برأيي، لا توجد قوى سياسية وحزب سياسي، لكن الحركة الإسلامية فيها مؤسسات ومجلس شورى قادر على اتخاذ القرارات، وعندما يتخذ القرار من المؤسسة يحسم الخلاف، وتبقى بعض الآراء، لأن هناك سياسة، والتفاصيل كثيرة، والاجتهادات أيضا كثيرة، والتعامل معها لا يمكن أن يكون نسخة طبق الأصل، لكن، في النهاية، وعندما تتخذ الحركة الإسلامية قرارها فإنه يكون مؤسسيا. وأنا لست مع منهج الاتكاء على الخلاف في الحركة الإسلامية لتبرير بعض انسداد الأفق.
أما في ما يتعلق باللجوء إلى الشارع، فإنني أعتبر أنه إذا كان اللجوء إلى الشارع بطريقة سلمية وحضارية فليس هنالك بأس. وبرأيي، أن الشارع استطاع أن ينجز أكثر مما أنجزته المؤسسات بما فيها مجلس النواب. ولذلك، طوال الفترة السابقة، إذا كان هناك بعض الإنجازات التي تمت فإنني أعتبر أن الشارع أسهم فيها، ولولا ثورة الربيع العربي وخروج الأردنيين للشارع لما كانت تحققت هذه الأمور.
الشارع كان من بين مطالبه أنه يطالب بالهيئة المستقلة للانتخاب، ويطالب بنقابة للمعلمين، وبإلغاء قانون الاجتماعات العامة الذي كان قانونا عرفيا.. هذا كله تم، وقد تم برأيي استجابة للشارع، ولذلك فالشارع أنجز.
إذا كان الخروج للشارع ليس فيه تخريب وليس فيه خروج عن القانون والدستور، ويطالب بشكل حضاري، فبرأيي أنه يجب أن لا نعيب على المعارضة أن تخرج إلى الشارع، لكن هذا الخروج يجب أن تكون له ثمرة سياسية، والقوى السياسية تحاول ألا يكون الخروج عبثياً.
ما جرى برأيي حتى الآن مفخرة للأردن، بأنه خلال السنتين كان العدد من الفعاليات الذي تتحدث عنه الدوائر الأمنية كبيرا جداً، ومع ذلك، فإنه حتى هذه اللحظة لا يوجد قتيل ولا دماء. هناك بعض المناوشات البسيطة، وهي أمر طبيعي، وبرأيي فان هذا الأمر مفخرة ورسالة مهمة من الشارع الأردني، وعلى الجميع أن يلتقط الرسالة، بأن الشارع لغاية الآن منضبط ويتحدث بطريقة حضارية وسلمية، فلم يتم حرق ولا كسر ولا تخريب، وهذا أمر جيد وممتاز. وهناك بعض الحوادث البسيطة، وبعض النشاز الخارج عن النسق الأردني، وهذه يجب أن ندينها جميعاً.
بالنسبة للتقاطع مع بعض الأجهزة فهذا صحيح، وأعتقد أن أي طرف في الدولة وأي جهاز يريد من منطلقه أن يحافظ على الدولة، فهذا الرأي يحترم، لكني أرى أنه يجب أن تبقى طاولة الحوار دائمة، وأن نبقى على تقارب دائم وحوار مستمر حتى نصل إلى حل، ويجب أن نصل إلى حل، فلا يجوز أن يغلق باب الحوار، وأن نتمترس حول رأي سواء من الطرف الرسمي أو من أطراف المعارضة أو من القوى السياسية.
نحن دائماً لدينا قدرة على إيجاد الحل، وبقليل من المرونة يمكن أن نصل إلى الإصلاح إذا كنا جميعاً نريد الإصلاح. أكثر من مرة سمعت من أعلى السلطات في الدولة، ومن الملك، بأننا نريد حكومة برلمانية وأحزابا تتداول السلطة. إذا كان كذلك فليتم الاتفاق عليها ودسترتها ويتم تقنينها وتشريعها.. إذا ذكر الملك ذلك فلماذا لا تتم دسترة هذه المسائل والاتفاق عليها.
أرى أن هذا هو الحل، وهذا ممكن، فأنا في لقاء للحركة الإسلامية كنت أحد أفراد الوفد الذي قابل الملك عام 2010 في بداية الحراك، وفي أول يوم تم فيه تشكيل حكومة معروف البخيت الثانية. ولغاية الآن لم تتم أي خطوة من خطوات الإنجاز، فقد تحدثت مع الملك بصراحة، وقلت إننا نرى أن الحل هو بالإقدام على إصلاح حقيقي، والإصلاح الحقيقي يتمثل بتغيير منهجية إدارة الدولة، وتغيير منهجية إدارة الدولة نواة لتغيير طريقة تشكيل الحكومات، وأنا أرى أن الأساس الذي نريد أن نصل إليه بطريقة تشكيل الحكومات مثل كل شعوب العالم المتقدمة أن تصبح الحكومات إفرازا للبرلمان وإفرازا للانتخابات، ففي كل دورة انتخابية، كل أربع سنوات، أن تكون الحكومة ممثلة لهذا الإفراز، وهذا يقتضي أن نغير قانون الانتخابات، وقانون الانتخابات يجب أن ينتقل من تكريس التنافس بين العشائر والحمائل وفصائل العشيرة الواحدة وبين القرى والأحياء إلى تكريس التنافس بين برامج سياسية، وبين طروحات وقوائم، فنحن لا نستطيع أن نسميها حكومة برلمانية بمجرد أن أعضاء في البرلمان يشكلون حكومة، فالحكومة البرلمانية يجب أن يكون لها برنامج معلن مسبق تم انتخابها عليه، وتمت مناقشته وأنهم فرزوا على هذا البرنامج، وأن يكون الشعب قد فوضهم بناءً على هذا البرنامج، وأن يتولوا إدارة الدولة بهذه الفترة المؤقتة، وقد ينجحون وقد لا ينجحون.
ولذلك، ما أقوله أن الأمور حتى لو كان فيها تقاطع وآراء مختلفة -وهذا حتماً موجود- لكن، في النهاية، بالحوار الجاد والمسؤول والحضاري يمكن أن نصل إلى حل.
بالنسبة لقضية مجلس النواب المؤقت، فأنا لم أسمع أنها صدرت عن الحركة الإسلامية، وربما كان بعض الأفراد قد طرحوا هذه القضية. وهذا في رأيي من باب «تحريك الجو»، وأن يكون هناك بعض الإشارات إلى أن تكون هناك حلول. وأعتقد أن بعض الأفراد طرحوا هذه المسألة «على عاتقهم» ولم تكن قرارا من الحركة الإسلامية أو إحدى طروحاتها.
* الدستور: الإصلاح الاقتصادي لا يقل أهمية عن الإصلاح السياسي، فأين برامجكم الاقتصادية؟.
- الغرايبة: هذا الوصف صحيح، فهناك حديث جميل لكن الواقع يمكن أن لا يكون مثل الحديث، وهذا أمر طبيعي، لأن الحركة الإسلامية لغاية الآن لم تمارس الواقع، وبرأيي أن البرامج الحقيقية هي التي تثبت من خلال الممارسة.
ما هو الطريق الأفضل لتطبيق هذه البرامج وهذا القول الجيد؟.. أرى أن هذا بحاجة -عند الوصول إلى السلطة- أن يتم الاشتراك والمساعدة مع كل العقول الاقتصادية الموجودة في البلد وألا نفرض رؤية اقتصادية مسبقة. ولذلك، أنا أميل إلى أن الإدارة الصحيحة هي التي لا تنفرد بالسلطة أو بالرؤية، وبالبرنامج المسبق المقنع، حتى لو كان مقنعا، فالإدارة التي يجب أن نصل لها هي أن يدير البلد نفسه بكل طاقاته وأن يشارك بكل الكفاءات الموجودة في المجتمع سواء كانت تابعة حزبياً لهم أو غير تابعة.
ولذلك، أحياناً أشعر أن الإنسان العربي يكون مؤطرا حسب نصف القرن الماضي، مؤطرا بأنه يأتي شخص هو الذي يفرض رأيه وبرنامجه، وأن يأتي الحزب الأوحد ويفرض رؤيته وبرنامجه، وعلينا أن نحكم نحن إن كان صحيحا أو غير صحيح. أعتقد أن هذا الأمر يجب أن ينتهي بهذا الشكل، وبرأيي، يجب على الحزب الذي سيدير أو من يدير السلطة أن يستثمر كل ما في البلد من طاقات وكفاءات. ولذلك أقول إن الخطة الأولى عند استلام السلطة أن آتي باقتصاديي البلد على مختلف اتجاهاتهم وأن نتفق على رؤية وبرامج وعلى إدارة هذا الشأن من المتخصصين.
وأرى أن هناك ضمانة من الحركة الإسلامية أنها تريد أن تصل إلى هذا الأمر، بأن كل الاقتصاديين وكل الموجودين في البلد يشاركون في إنجاز وانضاج هذه التجربة. لكن، تبقى هناك معالم نتبناها، فنحن لا نريد في اقتصادنا أن نكون تابعين لاقتصاد أجنبي، ولا أن نكون أتباعا، بل أن يكون اقتصادنا منتجا، وألا نعتمد على المنح والقروض، وأن يكون تمدد البلد ورفاهه متكيفا مع امكاناته وألا يتضخم أكثر من ذلك.
نعتقد أن هناك خطوطا اقتصادية معينة لا نختلف مع كل المنتمين لهذا الوطن فيها. والحركة الإسلامية في مصر وفي الأردن وفي أقطار أخرى هم الآن بصدد مشاريع عندهم، في مصر يسمونه مشروع نهضة، يعملون عليه، وقد جمعوا كل الكفاءات الاقتصادية ويحاولون أن ينجزوا رؤيتهم في هذا.
برأيي، المؤشر لنجاح الحركة الإسلامية أن تغير في بنية المجتمع وتصعد به نحو النهوض، وأن يصبح المجتمع كله يفرز بطريقة صحيحة، ويختار الأكفأ والأكثر قوة وأمانة، وهنا نكون بمنتهى السعادة، لأن المجتمع أصبح يفرز بطريقة صحيحة ويصبح قادرا على المراقبة والاختيار والمحاسبة بطريقة فعالة،فنجاح الحركة الاسلاميةلا يعني وصولها الى السلطة.
النجاح الكبير الذي يجب أن يسجله التاريخ هو «كم تحدث تغيراً في بنية المجتمع، كم يصبح المجتمع كله بطريقة جمعية يسير نحو الخلاص والأفق الواسع والقوة وامتلاك الذات».
ولذلك، فإن المشروع الحضاري الإسلامي الكبير برأيي لم يعد ملكا للحركة الإسلامية. أشعر أن المجتمعات العربية ملتفة حول مشروعها الحضاري، وهويتها الثقافية وتراثها الثقافي الكبير، ولذلك لا يوجد خوف على مشروع الأمة الحضاري، فالحركة الإسلامية الآن معنية أن تتشارك مع كل الأطراف ومع قوى المجتمع وأن لا تجعل من نفسها نداً لأي طرف. وأنا معجب بتجربة إسلامية في تركيا اسمها فتح الله كولن، الذي أرى أنه يعبر عن فكرة الإمام البنا بطريقة أكثر قربا للفكر، فبرأيه أننا نسهم في إصلاح المجتمع عبر المدارس وعبر الإصلاح العام، وعندما يصلح المجتمع يتم توجيه الأفراد نحو انتخاب الأصلح، ولذلك فإن أردوغان يقطف ثمار كولن، ونجاح أردوغان برأيي هو أحد مؤشرات فتح الله كولن في المجتمع، ولذلك، فإن من حول أردوغان ليسوا جميعهم إسلاميين، بل حوله طاقات من المجتمع التركي بمختلف الاتجاهات.
وأعتقد أن أردوغان يسير بتقدم جيد، ونجاحه الاقتصادي انعكس على نجاحه السياسي، ويعاد انتخابه مرة تلو الأخرى، وفي كل مرة يحقق مقاعد أكثر من الأولى. وهذه المرة الأولى بكل تاريخ تركيا أن الحزب حقق نتائج أكثر من المرة السابقة. فبرأيي، فان النموذج التركي هو أحد النماذج التي أعبر عنها بالنجاح الحقيقي للحركة الإسلامية دون أن تسمي نفسها أحياناً إسلامية، وأنا أميل إلى هذا.
* الدستور: نرى أن الحركة الإسلامية لا يعجبها ما تحدثت به عن الإطار الجامع، وأيضاً حول مبادرة زمزم.
- الغرايبة: أحد الخطوط التي التزمنا بها أن لا نرد وأن لا ندخل بمناكفة مع الحركة الإسلامية في هذا الموضوع. وأعتقد أن النجاح الذي أقدره للمبادرة أن لا تخوض هذه المعركة، وأن قوة أي فكرة بالتعبير عن ذاتها بذاتها دون أن تذكر عيب الآخرين، ولذلك، أحياناً انتقدت كثيرا من الناس الذين كانوا دائماً يحاولون أن يظهروا أنفسهم ويركزوا على عيوب الآخرين وإظهارها.
* الدستور: وهذه إحدى مشاكل الإخوان مع المجتمع.
- الغرايبة: على كل العقلاء البعد عن منهج التخوين والتكفير والإقصاء والاستفراد.
* الدستور: عندما تتحدثون عن مبادرة زمزم، فإن بعض القيادات الإخوانية يعتبرون التعاطي مع مبادرة الغرايبة مخالفة تنظيمية ما لم تقدم إلى المكتب التنفيذي.. هل أنت غورباتشوف في الحركة الإسلامية؟.
- الغرايبة: غورباتشوف قضى على الاتحاد السوفييتي، وكان سببا في تفتيته، لكني أقول إن ساحة العمل الوطني واسعة، وتتسع لكل من يريد الخدمة. لسنا بحاجة إلى أن نبقى في مربع الخلاف والمناكفة.. اخرج للمجتمع وابذل جهدك وطاقتك في خدمة ناسك وشعبك وجمهورك.
أعتقد أن هذه المبادرة هي خروج من الخلاف وليست تمترسا فيه، فهذه الطاقة المبددة في المناكفة يمكن توجيهها في خدمة المجتمع. والربيع العربي فتح الباب على مصراعيه أمام الشارع أن ينهض بمشاركة الجميع.
هناك حراكات كثيرة خرجت من قرى يتم فيها تنظيم مسيرات وهم يتحدثون عن الحرية وتداول السلطة ومحاربة الفاسدين إلى غير ذلك. وبرأيي فان هذا الوعي ممتاز، ولذلك، إذا كانت ساحة العمل واسعة فهي تتسع لكل من يريد الخدمة، ويجب الابتعاد عن المناكفة.
أعتقد أن خدمة الناس ليست حكراً على أحد. وقد طرحت أنا «الملكية الدستورية» قبل الربيع العربي. ولذلك فإنني لم أتخل عن الملكية الدستورية، لكن، متى نصل إليها؟.. هذا يتم بالتعاون والمشاركة والتدرج. وفي النهاية لا يمكن أن يكون هناك إصلاح دون أن يكون الشعب الأردني هو صاحب السيادة الكاملة على أرضه ومقدراته وشواطئه وفوسفاته وبوتاسه وعقبته وبحره الميت، وأن يصبح هو من يفرز الحكومات وهو القادر على مراقبتها ومحاسبتها واستبدالها، فهذا ما نسير إليه.
رأس الدولة لا يضره ولا يقلل من مكانته أن يسير بالأردن نحو الديمقراطية الحقيقية، بأن يكون رأس الدولة ضامنا لسلطات الشعب وقادرا على مراقبة الفئات التي تتنافس لخدمة الشعب، فالفئات كلها في المجتمع تتنافس لخدمة الدولة، والملك هو الضامن لهذه الفئات أن تبقى تتنافس ضمن هذا الدستور الحديث، وألا تتخطى سلطة على سلطة أخرى، وأن يحفظ هذا البلد ويحرس هذا الدستور. وهذا قلته أنا أمام الملك مباشرة وقبل ذلك، وقال إنه يود أن يصل الأردن لهذه المرحلة وأن تصل الأحزاب إلى هذه المرحلة، لكن -حسب تقديره- فإنه يقول إن الأحزاب لغاية الآن غير قادرة على الوصول إلى ذلك، وقد قلت لجلالة الملك إن هذا صحيح، والأحزاب لا تقوى إلا من خلال الانخراط في العمل والمشاركة، فما دامت غير قادرة على المشاركة فستبقى الأحزاب غير قادرة وكلامها سيكون خياليا وبعيدا عن الواقع، ولن تقوى.
* الدستور: تحدثت عن تركيا وتجربتها.. نرى أن التصنيف في الحركة الإسلامية بين صقور وحمائم، على غير السياق في الدول الأخرى، غير مرتبط بطبيعة الشخص «معتدل أو متشدد» بقدر ما هو مرتبط برؤية الشخص لأولويات الحركة. والتجربة التركية أثبتت أن الالتزام بالأولوليات الوطنية أفرز نجاحات، فتركيا بعد عدة سنوات من وصول الإسلاميين للسلطة فيها بدؤوا يتعاطون مع القضايا الإقليمية من حولهم ويتدخلون بها بشكل مباشر..
السؤال: الحركة الإسلامية دخلت أو شاركت بالانتخابات ودخلت مؤسسات الدولة في ظروف كان بها الأردن يعيش ظروفا اقتصادية وأمنية أفضل من التي نعيشها الآن، وبشروط سياسية أصعب من المتوفرة الآن، فلماذا العزوف عن المشاركة الآن؟ وهل الحركة مأخوذة بنجاح الإخوان في مصر وتونس؟ ولماذا ارتفعت سقوفهم بعد الربيع العربي بالرغم من أن بعض الذي تحقق من إصلاحات قبل الربيع العربي كان يعتبر طموحا بالنسبة للبعض؟.
- الغرايبة: في إحدى المرات كنت قد أجبت على قضية الصقور والحمائم، وقلت أن المسألة في الحركة الإسلامية ليست «صقور وحمائم»، ولم أرَ حقيقة مصداقية لهذا التمثيل داخل الحركة الإسلامية، ولذلك فأنا لست مقرا بها ولا أراها صحيحة.
هناك خلاف داخل الحركة الإسلامية مرتبط بالأولويات، وقد ذكرت أنا هذا الموضوع، لكني أرى أن هذا انخفض، فبعد الربيع العربي أصبح هناك خطاب موحد من كل الآراء في الحركة الإسلامية على مشروع الإصلاح الوطني، وعلى الهم الوطني، وقد أصبح أكثر وضوحاً، وكل الذي كنت أقوله أنا في الماضي والذي كانوا يشعرون بأن به غرابة ويكون عليه صراع شديد، أصبح الآن هو الشعار للجميع.
في إحدى مقابلاتي تحدثت عن هذه المسألة، وحاولت أن أقول إنه بعد أن استقل التنظيم الفلسطيني وأصبح تنظيما مستقلا وحده هو صاحب السيادة الكاملة على القضية الفلسطينية وهو صاحب القرار، فلم نعد نحن شركاء في القرار، وليس من المعقول أن تبقى الحركة الإسلامية في الأردن بلا مشروع.
ولذلك، فالحل كما قلت أنا أن يحمل المشروع الوطني بكفاءة. وحمل المشروع الوطني ليس هناك تناقض بينه وبين مشروع التحرير الفلسطيني، بأن يصبح الأردن قويا ومستقرا ومزدهرا ويصبح الشعب الأردني صاحب سيادة كاملة ونعدل القوانين والتشريعات، فهذا لا يضر فلسطين أو يضر المطالبة بمشروع التحرير.
هذا التناقض لا أدري من الذي أوجده. وأقول إنه عندما يكون هناك تحرير فأنا لا أكون معك أو وراءك، بل أكون أمامك، وهذا صحيح، فالأمر ليس بحاجة للمزاودة، وأعتقد أنه لا يوجد أي مسلم عندما يسمع قضية القدس إلا ويقشعر بدنه، وعندما حصل هناك هجوم خرج المسلمون في العالم أجمع. وأقول إن مشروع الإصلاح الوطني يشكل أولوية لنا هنا.. أقول هذا بلا تردد.
بالنسبة للحركة الإسلامية، أعتقد أن المشاركة هي منهجها الأصيل، والمقاطعة استثناء. الحركة الإسلامية لم تلجأ إلى مقاطعة الانتخابات النيابية إلا عندما أصبحت الانتخابات تؤدي إلى مجالس نواب غير فاعلة وغير ممثلة، واحياناً نكون في المجالس عبارة عن شهود زور.
وقد ذكرت أنا أن مجالس النواب في النهاية أصبحت محطات غسيل فساد، وأصبحت تستغل لطي ملفات الفساد وعدم محاسبة الفاسدين، ولذلك، فنحن في المقاطعة، وأنا ذكرت في ذلك الوقت أن هذا جرس إنذار لكل الشعب، لكل القوى، بأنه لا يجوز أن نبقى أسرى لهذه المعادلة، ويجب أن نغير المعادلة التي تنتج مجلس نواب يقوم بدوره الدستوري الحقيقي في الرقابة وحماية البلد، وأن لا يكون ناديا لرجال الأعمال، فهذا مجلس سياسي، ويجب أن يقرأ المشهد السياسي، لا أن كل تاجر كبير وصاحب أموال يصبح صاحب كتلة في البرلمان من أجل حماية مصالحه.
لذلك، فهذه المسألة مؤقتة، وهي وسيلة ضغط باتجاه تحسين شروط الانتخاب وتحسين شروط المعادلة السياسية. ويهمنا أن يكون لدينا مجلس نواب نفتخر به، فهذا ما نريده: مجلس نواب أردني قوي قادر على إبطال وإسقاط حكومات وإسقاط فاسدين، وقادر على أن يكون له رأيه، والشعب الأردني يفتخر به. وليس من المعقول أن الشعب الأردني يخرج ويقول (يسقط مجلس النواب)، فهذه مفارقة عجيبة، لذلك، يجب أن تكون محل نظر.
بالنسبة لارتفاع السقوف بعد الربيع العربي، فإنني أعتقد أن هذا أمر طبيعي، لكن، هل هذه السقوف فوق الحاجة وفوق المعقول وفوق المنطق؟.. هذا هو محل النقاش.
ما أقوله أن مطالب المعارضة والقوى السياسية جميعها حتى الآن ضمن المعقول. لذلك أقول إن دسترة ما يقوله الملك تعبير عما تطلبه المعارضة.
الدستور
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو