السبت 2024-12-14 06:33 ص
 

الفرق شاسع

07:26 ص

على مدى الأسابيع الماضية، حظيت بفرصة التقاء طلبة مدارس؛ بعضها خاصة، وأخرى حكومية.
الطلبة الحضور كانوا منسجمين دراسياً وعمرياً؛ إذ جميعهم في المرحلة الثانوية. لكن فيما بدا المستوى بين طلبة المدارس الخاصة متقارباً، فإن بوناً شاسعاً يفصل بينهم من جهة، وبين مستوى أقرانهم من المدارس الحكومية.

اضافة اعلان


أهداف اللقاءات كانت متعددة؛ مرة للحديث حول تجربتي في رئاسة التحرير والصحافة، وأخرى لمناقشة الحريات الصحفية ودور الإعلام، إضافة إلى تناول التحديات التي يواجهها الأردن، ولاسيما أبناؤه الشباب.


بالنتيجة، ثمة مشاعر متضاربة تجتاحك وأنت تتعامل مع الطلبة؛ إذ بقدر الفخر بجيل شاب متابع، يغزوك حزن مماثل وأسى، في الوقت ذاته، على فئة أخرى يمكن وصفها بأنها 'جيل آخر!'، تمثل الشريحة العظمى من مجتمعنا، لم يتمكن أفرادها على مدى سنوات دراستهم التي تزيد على العقد، من اكتساب مهارات الجدل واتساع الأفق، وبالتالي امتلاك الأمل.


إحدى المدارس الحكومية التي أتحدث عنها تقع في عمان، بل وفي منطقة غرب العاصمة تحديدا. وإذا كانت هذه حال أولادنا فيها، فإن لنا أن نتخيل، من دون كثير عناء، حال أبنائنا من طلبة المدارس الحكومية في أطراف عمان وفي المحافظات الأخرى؛ وهي بالتأكيد أصعب وتبعث على حزن وأسى أكبر!


لنتخيل قلب طرفي المعادلة؛ أي استبدال مواقع الطلبة، بإرسال من هم في مدارس حكومية إلى مدارس خاصة كالتي زرتها، وبالعكس. بكل ثقة، أستطيع القول إن النتيجة البدهية هي اختلاف مستوى العديد من الطلبة، ولاسيما طريقة تفكيرهم، على الجانبين.


إن حال الطلبة، خصوصاً ما يتجلى من فارق خطر في الإمكانات المتوفرة -بشكل عام- لأولئك المنخرطين في مدارس خاصة مقابل أقرانهم في مدارس حكومية، تجعلنا جميعا نقف أمام سؤال أخلاقي حاسم: كيف لم نجتهد بكل ما لدينا من ضمير للارتقاء بمستوى العملية التعليمية المقدمة للطلبة عموماً، في كل منطقة من مناطق الأردن؟! وكيف يمكن تبرير وجود من يقف اليوم في وجه تعديل الكتب المدرسية والمناهج، ضمن السعي الأشمل إلى الارتقاء بالبيئة التعليمية ككل؛ أي ليس على صعيد المضمون فحسب، وإنما أيضاً فيما يتعلق بأدوات التعليم؟!


ثمة فرق كبير جداً، أو فجوة واسعة، داخل نظامنا التعليمي. ففي المدارس ذات الأقساط المرتفعة، تتوفر لجيل شاب فرص كبيرة للتسلح بكل ما هو مطلوب لمواجهة المستقبل؛ فيما أقرانهم 'الأقل حظاً' ما يزالون بانتظار 'صوبة' غاز أو كاز، لتدفئة أجسادهم الصغيرة!


فضيحة وجريمة ما يحدث في المدارس الحكومية، كما كثير من مدارس القطاع الخاص غير الملتزمة بمعايير الاعتماد والترخيص. والضحايا المقدمون بالجملة بسبب ذلك، هم جيل المستقبل الذي يفترض أنه سيكون المسؤول عن حماية حاضرنا نحن بعد عقدين من الزمان 'إن عشنا'، كما يقال.
اليوم، صار التعليم عبئاً مكلفاً للأسر وأربابها. فحتى توفر فرصة تعليم لائقة في الأردن، عليك دفع مبالغ كبيرة من المال، وإلا سيكون مصير الطالب والطالبة ترك مقاعد الدراسة من دون حتى الحد الأدنى من المعرفة، بل وحامليَن غالباً فكرا غاضبا محتقنا بدلا من مهارات النقد الموضوعي والحوار البنّاء.


العيوب كثيرة في نظامنا التعليمي، بما يفسر النتائج المحزنة، والتي تُجسد بدورها استهتارا بحاضر الأردن ومستقبله، وتخلياً مع سبق الإصرار والترصد عن حمل المسؤولية.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة