ليس صحيحا أن ما يحدث في العراق اليوم من تطورات رهيبة مفاجئ؛ ربما يكون كذلك للمراقبين من الخارج، أما بالنسبة للنخبة السياسية العراقية، فإنه كان متوقعا بنسبة كبيرة. قبل شهرين تقريبا، عرض ساسة أكراد وعراقيون لسيناريو 'دولة داعش' الممتدة من العراق إلى سورية. سياسي كردي مرموق تحدث كما لو أنه كان يقرأ من كتاب، وكل ما قاله حصل في الأيام الماضية.
مقاتلو 'داعش'، ومنذ أشهر، يتحركون بهمة في محافظة نينوى ومحيطها، وفي المناطق المحاذية للحدود العراقية مع سورية. وقد تمكنوا في مرات سابقة من السيطرة على نقاط حدودية بين البلدين. وفي العمق السني العراقي، كان حضور 'داعش' كثيفا، ومنذ أسابيع طويلة بسطوا سيطرتهم على مناطق واسعة في محافظة الأنبار، وأحكموا قبضتهم على مدينة الفلوجة. فما المفاجئ إذن في التطورات الأخيرة؟
استثمر 'داعش' في الصراع الجاري على السلطة بين مكونات العملية السياسية في العراق، وفي الغضب السني الجارف من حكومة المالكي وسياساتها الإقصائية. ونجح التنظيم في نسج تحالفات واسعة مع مجموعات مسلحة صغيرة من أبناء العشائر ومنتسبي الجيش العراقي المنحل.
لا تتفق هذه المجاميع على برنامج سياسي واحد، لكن 'داعش' الأكثر تنظيما ونفوذا وقدرة، فرض خياراته الأشد تطرفا على الجميع.
المعركة بالنسبة لداعش في العراق هي مع الشيعة بوصفهم الطائفي لا السياسي. ولهذا، لا بد من تحرير أهل السنة من حكمهم أولا؛ أي بناء دولة العراق الإسلامية، المتحدة مع دولة الشام أيضا، ومن ثم خوض المعركة الفاصلة مع 'الروافض'، ليس في بغداد وإنما في كربلاء، على ما قال زعيم 'داعش' أبو بكر البغدادي في آخر رسالة صوتية له.
باختصار، مشروع 'داعش' هو تقسيم العراق؛ فما من عاقل يصدق أن التنظيم قادر على محو الشيعة من العراق، وتحويل البلاد إلى دولة سنية خالصة. عندها، يكون البديل الواقعي هو التقسيم؛ دولة سنية في وسط العراق وغربه، وشيعية في جنوبه، وكردية في شماله.
لكن دولة 'داعش' لن تكتفي بهذا؛ فهي تقاتل في سورية، وتسيطر على مناطق واسعة شرقي البلاد. وإذا ما أحكمت السيطرة على الموصل وجوارها، فستكون قادرة على وصل دولة العراق بالشام، وبذلك يتحول الاسم الافتراضي لمشروع 'داعش' إلى حقيقة.
ترتكب القوى السياسية السنية في العراق خطأ كارثيا إذا سلمت لهذا الخيار بدعوى التخلص من حكم المالكي؛ إذ لا يعقل أن يكون ثمن إسقاط المالكي تسليم العراق لأبشع تنظيم إرهابي في العالم.
هناك ألف طريقة للخلاص من المالكي الذي يتحمل مسؤولية كبرى عما آلت إليه الأوضاع في العراق. لكن بهذه الطريقة الانتحارية، فإن القوى المناهضة لحكمه تمنحه طوق الحياة من جديد، وتمد تحالفه المتهالك بمقومات الوحدة والتماسك، وهذا ما نراه اليوم.
التعصب الطائفي جلب للعراق من قبل الاحتلال الأميركي، وحول العراق إلى ساحة صراع دولي وإقليمي دفع الملايين من أبنائه ثمنه غاليا. وما نخشاه أن يؤدي التعصب الأعمى اليوم إلى تحويل العراق إلى دويلات صغيرة متصارعة، عرضة للاحتلال الأجنبي من جديد؛ إذا لم يكن من أميركا، فمن إيران وتركيا وغيرهما بذرائع مختلفة.
تقسيم العراق يعني تقسيم المنطقة كلها. والتقسيم القسري على هذا النحو يعني حروبا طائفية ومذهبية لا نهاية لها. هذا هو المعنى الوحيد لانتصار 'داعش' في العراق.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو