الأحد 2024-12-15 09:34 م
 

الياسمين المر

08:38 ص

لا شك ان تونس التي شهدت انطلاقة الثورات العربية في مثل هذه الأيام من عام 2010 تعد الأكثر تعافيا من بين دول 'الربيع العربي'، وهي بلا شك أيضا الأكثر إنجازا ديمقراطيا بعد سلسلة من الانتخابات وأكثر من ممارسة للتدوال السلمي للسلطة، فيما تسهر على صيانة التحول الديمقراطي وترسيخه على الأرض مؤسسات مدنية تعد الأكثر نضوجا وتماسكا في العالم العربي استحقت أن تمنح جائزة نوبل للسلام مؤخرا. اضافة اعلان

في الذكرى الخامسة للحادثة التاريخية التي دفعت الشاب التونسي محمد بوعزيزي الذي دخل التاريخ إلى إحراق نفسه معلنا بذلك بدء الثورة التونسية التي ستقود خلال أسابيع قليلة إلى إشعال نيران هائلة في هشيم النظم العربية، يغيب السؤال عن الناس؛ اولئك الذين مدوا الثورات بالوقود من دمائهم وصبرهم وعذاباتهم. هناك جدل لا يتوقف وسط النخب العربية والعامة حول تقييم التحولات العربية وجدواها بعد بحر الدماء الذي شهدته السنوات الاخيرة القاسية، وعلى الرغم من أن صوت الذين يشتمون هذه التحولات هم الأكثر هذ الأيام، يبقى النموذج التونسي موضع إجماع بعد ما حققته تونس من إنجازات ديمقراطية واستقرار نسبي مقارنة مع دول أخرى.
بالعودة الى السؤال عن الناس، في تونس وغيرها، فإن أحوال الناس ومؤشرات الحياة ما تزال تذهب نحو المزيد من التردي، وهذه هي مأساة حركات التغيير الكبيرة في التاريخ؛ فالذين يضحون من أجل التغيير لا ينالون ثمن تضحياتهم، وثمار التغيير في معظم الأحيان تقطفها أجيال أخرى. في المشهد العربي تبدو الظلال الحزينة والقاسية أكثر حضورا، فأسرة البوعزيزي الذين أحرق ابنهم جسده من أجل الاحتجاج لا أكثر، غادرت البلاد وهاجرت إلى كندا دون عودة. ومدينة سيدي بوزيد التي شهدت شرارة الثورة بكد الناس وبأصوات الفلاحين والباعة الصغار والعمال والطلاب والنساء ازدادت ظروفها الاقتصادية تعقيدا وازدادت ظروف الناس فيها صعوبة وحرجا. وعلى المستوى الكلي للدولة التونسية يستمر ارتفاع معدلات البطالة والفقر والتضخم وغلاء الأسعار وتراجع قيمة العملة المحلية، وزيادة كبيرة في المديونية الخارجية.
الصفعة القاسية التي تلقاها محمد البوعزيزي على يد السلطة التي مثلتها امرأة هذه المرة، فجرت في داخل ذلك الشاب مشاعر كثيفة من الشعور بالقهر والإحباط والإهانة، وهي ذاتها المشاعر التي يحياها يوميا الملايين من الشباب العرب المحبط في بلاد الثورات وفي بلاد الاستقرار وسط أرقام تشير إلى أن المنطقة العربية تشهد أعلى معدلات البطالة وسط الشباب في العالم والتي تجاوزت 23 % في منتصف العام 2015، ويحتاج العالم العربي 17 مليون وظيفة حتى عام 2020 لكي يحافظ على هذه المعدلات. بمعنى آخر إن هذه المجتمات تنتظر ملايين من مشاريع القنابل الموقوتة على طريقة محمد البوعزيزي وغيره.
الياسمين التونسي محاصر من الداخل والإقليم ومن العالم، ولعل هذه الحالة تجعلنا نقف عند لحظة يمكن أن تدفعنا لإعادة النظر في كل ما رددناه خلال العقود الأخيرة حول آليات التحول الديمقراطي في المجتمعات العربية ومن يقف خلفها ومن يعيقها، وقبل ذلك عن معنى التغيير، ومكانة الخلاص الفردي فيه ومعنى الكرامة الإنسانية وعلاقتها بالعمل وتحديدا وسط الشباب الذين لا ينتظرهم إلا القهر والمزيد من الإحباط.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة