ببطء كي نصل سريعاً

توصينا الحكمة ألا نترك رؤوسنا تغري أقدامنا بالطيران، لأن علاقتنا وإلتصاقنا بالأرض هو سرُّ قوتنا. ولهذا تريثتُ قليلاً في الكتابة عن كارثة الطريق الصحراوي، التي قشعرت بدن الوطن. تريثت حتى يركد غبار التصادم؛ وتتضح الرؤيا ويصفى الكلام.

المصاب أليم أليم، ولكنه سيغدو أكثر إيلاما إن لم نتعلم منه ونتدارسه، وإلا ستتكرر المصيبة وتتوالد وسنفقد أحبة بذات الصورة. فعائلة كاملة على مائدة حادث بشع، يجب أن تهزنا، ولو أن حادثة مشابهة لعائلة الصحفي سامي الزبيدي رحمهم الله، قبل سنوات قليلة، لم تعلمنا ولم تهزنا.

لم أقتنع بإسناد كامل الحق على عيوب الطريق الصحراوي. فمشهد ركام السيارة وقد غدت أنقاضاً، لا بدّ ويجعلنا نفكر ونحلل، ونتروى في إطلاق الأحكام وتعميمها، ولهذا سأستخدم ما بقي من خبرتي الفيزيائية للقول إن قوة التصادم تعتمد على شيئين اثنين: كتلة الجسمين المتصادمين وسرعتهما. ولأن المنظر شاهدناه؛ فالنتيجة لا أخالها تخفى على أحد، وسنقول بلسان واحد: السرعة السرعة، هي من خطفتهم منا.

لن أدافع عن الطريق الصحواري، فهو كارثي. ولكن ثمة ما هو كارثي اكثر، وهو ألا نضع الأمور في نصابها الصحيح. فمعنى أن تغير مسربك على طريق سريع، وعلى تحويلة، فأنت تسير بسرعة أكبر ممن يسيرون على المسرب، الذي كنت عليه، ولهذا فالحادث يشير إلى سرعة كبيرة كانت عليها السيارة، وحتى لو انسلخ الإطار فأنت ستتلافى نتيجة كارثية؛ إن كانت سرعتك معقولة. ففي عالي السرعات نفقد كل شيء.

أعرف أن السرعة تغري دائما. وهي مغرية أكثر في السيارت الحديثة، وعلى الطرق الخارجية، فهي تمنحنا شعور عبور الأزمنة والسيطرة عليها، ولكن ليس دائما تفلح النهايات.

على مشهد الحادث يقترح ابني على شركات تصينع السيارت، أن تضع صندوقاً أسود في كل سيارة؛ كي نعرف سرعتها، إذا ما وقع حادث، لكني قلت له: على الأرض ستجد مؤشرات صادقة تعطيك سرعة السيارة.
كان تشيرشل رئيس الوزراء البريطاني يقول لسائقه حينما يمتشون الطريق: (سُق ببطء؛ كي نصل بسرعة). كفى كفى. لا نريد سرعة تفتح علينا بوابات الفجيعة والكارثة من جديد. ورحم الله الضحايا وعوّض على أهلهم ومحبيهم ومنحهم الصبر والسلوان.