الأحد 2024-12-15 06:09 ص
 

جذور شرقية في المافيا

11:43 ص

الوكيل - صقلية أجمل جزر العالم، أهلها قريبون من العرب في المظهر ولهم عدة تقاليد تتشابه معهم، الصقليون يصرون على الثأر، ويعتبرون التقصير في هذه المهمة عارا يلحق بصاحبه، وعصابات المافيا خرجت من هذه الجزيرة أثناء تجمع لشباب واحدة من القرى يطلبون الثأر لفتاة خطفت من قبل الجنود الفرنسيين الذين احتلوا جزيرتهم في القرن الثالث عشر، وتختلف عصابات المافيا عن غيرها من تشكيلات الجريمة المنظمة، فهي تجتمع على كلمة شرف داخلية ويمنع بين أفرادها الخيانة أو الغدر لأي سبب، وفي بعض المصادر فإن المافيا هو تحوير لكلمة
«مرفوض» العربية، أو كلمة مهياص الشعبية التي شاعت في اللهجة الدارجة في مصر بما يعني العدواني أو المتسرع ويمكن أن تكون وصفا للأهوج، وأهالي صقلية يغضبون بسرعة ويعتبرون كرامتهم الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه.
جزيرة صقلية قريبة من السواحل التونسية، وشهدت غزوات متتابعة من المسلمين إلا أن التواجد الفعلي بدأ في عصر الأغالبة واستمر مع الفاطميين، وكانت الإمارة الكلبية تسيطر على الجزيرة لقرابة قرن من الزمن، وشهدت صقلية في تلك المرحلة اهتماما كبيرا بالزراعة، ودخلتها مجموعة من المحاصيل التي تشتهر في البلدان العربية مثل قصب السكر، كما شهدت الجزيرة تطورا كبيرا في الجانب العمراني، وفي المرحلة الإسلامية انتقلت العاصمة إلى باليرمو، ولكن التأثير كان يفوق هذه المظاهر الاقتصادية ويغزو الجانب الاجتماعي على الرغم من أن اقامة المسلمين في الجزيرة كانت لمائة وسبع سنوات قياسا بقرابة الثمانية قرون في الأندلس.
هل ثقافة المافيا تحمل جذورا اسماعيلية؟.
وهل حملت في داخلها تقاليد الحشاشين الذين بثوا الرعب في قلوب الأوروبيين في فترة الحروب الصليبية، هذا الأمر محتمل بشدة، فالمذهب الإسماعيلي هو مذهب الدولة الفاطمية في مصر وشمال افريقيا، ويحمل الإسماعيليون تراثا كبيرا من العمل السري من خلال دعاتهم الذين انتشروا في مختلف البلدان الإسلامية وكان منهم الحسن الصباح مؤسس فرقة الحشاشين وهي فرقة عسكرية لا يعتقد أنها كانت الوحيدة التابعة للإسماعيليين، وإن كانت أكثرها شهرة، ويمكن أن هذا النمط من التجمعات القائمة على أخلاقيات معينة تربط بالأعضاء وأجواء السرية الشاملة في بنية المجموعة، بالإضافة إلى السلطة المتناهية لقائدها أو شيخها أثرت في المجتمع الصقلي، وبدلا من شيخ الجبل وهو لقب مجموعة من قادة الحشاشين مثل الصباح وسنان، كانت شخصية الأب الروحي في الثقافة الإيطالية، بحيث تخالطت التأثيرات الإسماعيلية بالمسيحية في هذه النقطة.
الطاعة والسرية والتركيز على السمعة كانت عناصر أساسية في الحشاشين وعصابات المافيا التي بدأت في صقلية، وتدور الحكايات بأن المافيا تتخلص من أي عضو يعرف أكثر من اللازم، وبالتأكيد فإنها تتخلص من أي شخص يخرج عن الخط أو يتحدى سلطة الأب الروحي، ويكون المظهر الرئيسي في هذه الأحداث أن التخلص من العضو الذي يخالف عقيدة المجموعة أو العصابة يتم على يد زملائه، فهناك ما هو أقوى من رابط الصداقة أو القرابة داخل عصابات المافيا، وهو رابط غامض يقوم على مبادئ ثابتة لا تتغير، عادة ما تتصف بالتركيز على الوفاء والنزاهة لدى الأعضاء وبينهم فقط.
يمكن أن يضع ذلك أيضا تأثيرا يهوديا على سلوك عصابات المافيا فهم يعتمدون وجها داخليا يقوم على تعاونهم شبه المطلق بينما يعتبرون الآخرين بصفتهم أعداء لا يمكن أن يثقوا بهم عدا أنهم يرتزقون من تخويفهم وترهيبهم، وهو نفس مفهوم الأغيار لدى اليهود، والمعروف أن اليهود عاشوا في صقلية تحت راية الحكم الإسلامي الذي لم يضطهدهم كما جرت العادة في بقية أنحاء أوروبا.
المؤثر الثقافي في صقلية جعلها تختلف عن بقية إيطاليا وتقترب في ثقافتها العامة من جيرانها جنوب المتوسط، في الأمور الإيجابية والسلبية على السواء، وهذه الجزيرة أسمهت بأمور كثيرة غير المافيا وتأثرت بأمور ايجابية أخرى مثل الدفء العائلي والحفاظ على تماسك الأسرة قياسا بأي منطقة أوروبية أخرى.

اضافة اعلان

الراي


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة