سألني الفتى الشاب، بعد طول تقليب لجوانب ملف «جرائم الشرف»، عما إذا كنت اريد أن أضيف شيئا، يعينه في كتابة رسالة الماجستير، صمت للحظة، ثم لمعت في ذهني فكرة مجنونة، قلت له: أنت تريد أن تكتب عن جرائم الشرف التي يرتكبها الرجال بحق النساء؟ قال: نعم! قلت: وماذا عن جرائم الشرف التي يرتكبها الرجال بحق الرجال؟ رفع حاجبيه بدهشة، ثم قال: مش فاهم يا أستاذ! قلت له: حسنا، كم جريمة شرف ترتكب في الأردن كل عام؟ قال: لا أعرف بالضبط، ولكنها تتراوح بين العشرين والثلاثين تقريبا! قلت: يعني ان العدد ليس بالكبير! قال: تقريبا! سألته: الم يخطر ببالك جرائم الشرف التي ترتكب ضد الرجل؟ أعني كم من الرجال «يقتلون» عمليا ومعنويا، لا أقصد هنا في الاردن فحسب، بل في طول الكرة الأرضية وعرضها، وخاصة في بلاد العرب والمسلمين والعالم الثالث، ألا يعد إهدار دم شاب ثار على الظلم والفقر والذل «جريمة شرف»؟ ألا تعتبر اعتقال جائع امتدت يده إلى رغيف خبز أو حبة بطاطا أو علكة جريمة شرف؟ ألا تظن أن معاقبة من تجرأ على فتح فمه بكلمة حق جريمة شرف؟ كم ألفا يموتون كل يوم سواء في سوريا أو فلسطين أو العراق أو أفغانستان أو بورما أو في بلاد الماو ماو لأنهم حسب قاموس «البيت الابيض» واسرائيل، ومن لف لفهما، مخربون وإرهابيون ومتمردون وخارجون عن القانون! وأي قانون؟
سيل أسئلتي اربكت الفتى الشاب، اشعل سيجارة، دخنها بأصابع مرتجفة، قال لي بعينين زائغتين: «انا مش قد هالاسئلة»! قلت له: أعرف حقيقة مشاعرك، فأنت كما أنا، وملايين مثلنا، مسكونون بهواجس داخلية تجعلنا احيانا نلعن –سرا وعلانية- ابو الشرف الذي يرسلنا إلى ما وراء الشمس، يا بني، الفرق بين جرائم الشرف التي تكتب عنها رسالتك الجامعية، وبين جرائم الشرف التي أتحدث عنها، كالفرق بين «الفظائع» التي قال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش أن الجيش السوداني يرتكبها في دارفور، و «البطولة» التي ارتكبها جنوده في الفلوجة أيام حصارها ضد النساء والأطفال والمصلين، في «دارفور» طالب كوفي عنان بتحقيق حول «المجازر» المفترضة، وفي الفلوجة والشعلة وبغداد والناصرية، ثمة مبعوث أممي بالغ الأناقة (اسمه ألاخضر الابراهيمي!) أرسل كي يحاور ويفاوض حول تقنين الاحتلال وإضفاء «الشرعية!» عليه، غير ملق بالا لجرائم «الشرف» التي ارتكبها جنود الاحتلال ضد شعب العراق المحتل، وها هو يعود إلينا كي يقول لنا أن ثمة حربا أهلية في سوريا، لا حرب إبادة يشنها نظام ضد أهله وناسه، هل فهمت ما أعني؟
ضرب الفتى كفا بكف، لملم أوراقه، نظر إلى ساعته، ثم قال وقد مد يده مصافحا: شكرا يا أستاذ، ومضى مسرعا، تاركا وراءه دفترا صغيرا كان دون فيه ملاحظات حول حديثنا عن «جرائم الشرف»!
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو