الخميس 2024-12-12 07:47 ص
 

دعّوا الجامعات وابحثوا في أنفسكم

11:49 ص

منذ سنوات تناولنا قضية العنف في الجامعات، وفكرنا وحللّنا ، وقدمنا حلول، وها نحن بعد سنوات لا نزال نشهد ذات الدائرة تتسع لتشمل عددا أكبر من الجامعات ، وزيادة في عديد جيش المشاغبين الصغار ، ولم يصل أحد الى حلّ جذري ، وأعتقد أنهم لن يصلوا ، والسبب أن لا أحد يبحث في الأسباب الحقيقية التي تجعل طالب ما ينخرط في مشاجرة جماعية كبرى لا شأن له فيها ، بل يبحثون في كيفية تطويق هذه الواقعة ، وإطفاء أي حريق ينشب بين طالبين أو عائلتين ثم بين عشيرتين ، قبل أن يمتد الحريق بين مدينتين ، وكأننا بلد خرج للتو من حرب أهلية ، أو استقلّ عن حكم دولة محتلة لنا !اضافة اعلان

من المؤسف حقا أن الجميع يتحدث عن مستقبل سياسي حرّ ، واستقرار وطني ، وحكم ديمقراطي تأخذ بزمامه الأغلبية البرلمانية ، وعن إقتصاد قوي يتيح البقاء لبلد محدود الموارد توفير عيش كريم لأهله ، ثم ينسى الجميع أن المستقبل الذي نتحدث عنه هو ملك لأولئك الأطفال في المدارس والشباب في الجامعات ، لا للكهول و العجائز من جيل الرؤوساء والوزراء والقيادات السياسية ، فنحن نريد أن نفصل مستقبلا يتلائم معنا ، وننسى أننا سنموت وسيكون المستقبل لهؤلاء الصغار.
إذا أين هم أهل ذلك المستقبل ؟ إنهم هناك في معسكرات الخيبة والفشل التي نسيطر عليها نحن الذين أتلفنا ذلك التاريخ العريق من التربية الوطنية ، ودمرنا مجالس الرجال ، وحولناها الى « لعب عيال « ، وجعلنا من الذخيرة الحية للوطن وهم النشء والشباب المفعم بالحيوية ، الى ذخيرة قتال لمعاركنا التافهة في أي مناسبة وأهم المعارك التي نستخدم فيها الشباب كمرتزقة هي معارك الانتخابات البلدية والنيابية ، ومشاجرات العائلات، ومباريات كرة القدم ، وهذه كلها معسكرات تدريب لممارسة العنف والكراهية ،تدفع الشباب نحو الإنغلاق المتطرف لصالح طرف وفئة مقابل آخر ، ولإعادة إنتاج الولاءات الجهوية والعشائرية والإقليمية المتخلفة .
ثلاث حاضنات للآمان أو الخطر : المنزل والبيئة المجتمعية والمدرسة ، وكل ما بعد ذلك هو نتاج لهن ، فالطالب حتى يذهب الى الجامعة يكون قد تجاوز عمره الثامنة عشر ، فهل سأل أحد أين وكيف عاش هذا الطالب كل تلك السنين ؟ وهل تستطيع أن تغير فكر شاب مراهق إعتمد على والده وشقيقه وابن عمه وابن عشيرته وابن مدينته ورفيق مدرسته طيلة تلك السنوات ، نحو الاعتماد على نفسه والإنسلاخ عن ذلك الفكر المتخلف القطيعي الذي صنعه الجيل السابق من الآباء والساعين نحو المجالس النيابية والوزارية ، لا أعتقد ذلك ، لأن شعور الطالب بأنه لا يزال محتاجا الى الرعاية وهو في الجامعة يدفعه الى الإنخراط في نصرة الفكرة المتخلفة .
لا تلوموا الجامعات والشباب الذين يعانون من « الفراغ الجيلي « ولا تكونوا معول هدم لهذه الثروة التي هي ثاني فخرّ كنا نفاخر بها بعد الصروح الطبية ، بل لوموا أنفسكم أنتم الآباء وأرباب الأسر واللاهثون وراء أهدافكم الأنانية وحروبكم الشخصية ، ومصالحكم المادية ، وابحثوا عن الخلل البين الواضح الصارخ في أساليب التربية وتفريغ المناهج المدرسية من كل المضامين التي تعلمناها ، وتحويل المدارس والجامعات من مصانع للرجال الى رياض للأطفال ومصالح لجمع المال ، واسألوا أنفسكم لماذا تتزوجون وتتناسلون :
أتفاخر الجاهلية الأولى ؟ أم لإصلاح الأرض التي أورثتموها وخدمة مجتمعكم الذي تعيشون وبناء وطنكم الذي تحبون ، فإن كان الجواب هو الأول فأنتم شركاء في مؤامرة التدمير الإجتماعي بعد الإقتصادي والسياسي .
لا تنظروا للجامعات وطلبتها عند كل مشكلة ، بل ابحثوا في أصل المشكلة ، وانظروا الى المدارس ومخرجاتها ، أما اتحادات الطلبة التي قادت حركة التنوير تاريخيا ، ومثلها النقابات المهنية والعمالية فهي بحاجة لبحث آخر لنفهم الحكمة من إنشائها والهدف من تأسيسها ودعمها ، والتي تحولت الى مزارع تفريخ للولاءات السياسية الجاهلة والمناكفات ، واعتدت على دور الأحزاب الغائبة أصلا التي يجب أن تكون محرك العمل السياسي، لا أن يتحول الجميع لخلايا سرطانية تقتل هذا الوطن .


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة