الأحد 2025-01-19 09:04 ص
 

ديوان جديد لليمني فتحي أبو النصر: الغياب يد ثالثة!

10:29 م

الوكيل - (أعناق طويلة لظني ورحيق دخان) أحدث إصدار ما بعد حداثي للشاعر فتحي أبو النصر صدر مؤخرا عن دار مسعى في البحرين ويقع الديوان في محتوى 95 صفحة من القطع المتوسط بورق طباعي يمتاز بخفة تتناسب وخفة مضمون نصوص الديوان الذي يخلو من فهرست، تصاحبه إيقاعات فنية للوحة تضمنها غلاف الديوان من إبداع الفنان مراد سبيع.اضافة اعلان

يدلف الشاعر فتحي أبو النصر صفحات كتابه الأولى ليشير قبل ذلك إلى أن نصوص وقصائد إصداره هذا كتبت في الفترة من يونيو 2008ويناير 2011م ما بين القاهرة والجزائر وصنعاء والحديدة وتعز وعدن،ليطالعنا بتصدير كلمات وجمل قصيرة قيلت على ألسن كل من فرانسيسكو رويس أوديل،الذي ‘يشفق على الموت’ وإجابة صموئيل بيكيت عن سؤال من هو غودو الذي لا يعرفه بيكيت لأنه كما يقول لو عرفه لقال ذلك في المسرحية، لينهي أبو النصر’مدلف’ الصفحة قائلا ‘أنا الموبوء بي ..لا شيء يعصمني مني’
هنا أقتفي المعنى الجديد في نسخة ‘أعناق لظني ورحيق دخان ‘ليتتبع الشفق هناك،وهنا على صفحات الجدول،حين لا تعطي جديدا وبشكل حميمي ونافذ الشغف والترقب أبدا سوى تجارب لها أمكنتها الخاصة وعزلاتها وتفاصيلها البعيدة عن تصورات الكاهن فينا،هناك جدول خلف نظرات صوره الشاهقة كما تمتلك شرودها الخاص، لتصل في مطاف الانجاز الشعري برسم اللحظة إلى شغف تعلق القارئ بها كتجربة مثمرة الحضور كونها ومنذ بدايتها كانت شعرا بلا بداية،وما تنتجه من أسئلة الشعر تشعرن هويته القصيدة التي يكتب بأفق علاقته المتحولة الرؤية والالتباس واللاتوقع لينتج شعرية الأخير بخيال ينسكب جدولا وأقرب إلى تشعير الميتافيزيقيا وتكوين البحر وكائنات المحيط .
يكتب الشاعر ابو النصر في (مونولوجات1:(
‘ بي فحوى السمكات الملونات في قاع المحيط أحيانا
وأحيانا
ما يفكر به قطيعُ راعية خرساء
في أعالي الجبال ‘
ثمة ما يجعل المعنى مشرقا إذا وإنسانا،كما نجد ذلك عبر شعرية الغياب في قصيدة فتحي ابو النصر، القصيدة لديه ليست مقالا، أو خاطرة كما يفعل البعض،ليست إنفعالا، ولا فعلا أيضا، أنها هوية الفعل في ذاته وقيمته وتفاصيل حياة يعيشها ليحيلها واقعا يرفل بالسلام وألفة الحيوات والكائنات فيما تحيل علاقته وحساسيته باللغة المجرد إلى المحسوس بإزميل وريشة خيال وموهبة سفر في جهات كثيرة،وهو أي الشاعريعيد تحليل المفردات شعريا لتغدو صالحة للزواج من خالاته الجامحة حد الأسطرة كما في قصيدته ‘أسطورة سائغة’ :
‘ الغياب يدٌ ثالثة ٌ والجنون مرتبٌ ومثالي،
لذا بضحكة قاحلة وبإفلاس فاخر وبحلم مستعمل ووحيد،
سأستردني مني هذا المساء’
وبنفس الاعتياد اللامألوف في حياة وتجربة ابو النصر ينتقي عناوينه بمهارة قائد أوركسترا، ليفاجئنا بمحيط واسع من الصورة وجديد تركيباتها الأليفة فحسب لمتخيله الشعري العاشق رصد التفاصيل ومنح إضافة لشعرية الصورة جديدة ،ذلك أن كشوفه تنبثق من عزلات تأمله وتركيباته الدقيقة لكنها في صعوبتها قد لا تتأتى بيسر لغيره من صائدي اللؤلؤ، وأصداف المعاني الملقاة ليس على الطريق بل على قارعة الشعر والخيال الصانع الصورة ونسيجها الشعري وما يحدث فيها من تحول تشعرنه لغة الخطاب وامتيازه لتمنحه هوية الشعر عبر اللا توقع. ومن بعض توقيعاته انتقي بعضا من سطوره المشعرنة :
‘تلهث النافذة، وللوداع خفة صوفيين.
فيا للغفلة الرهيفة بقسوتها،
ويالصلاة المُجون على القصائد’
ويكتب الشاعر المبدع بما يشبه المستقبل :
‘من جديد ستنهمر الجثث،
لتفكر في نوع موتها الجديد،
وبغموض حواسي الواضحة،
سأعرف عشقي للبنيوية التي نجت من العشق،
لكنني لن أعرف، مالذي يدفعني
لأتلاشى في الأغاني هكذا’
الشعر هنا يعطي أملا في أن الشعر ينطوي على مفهوم التغيير لكن بأفق الشعر لا السياسة أو الأدلوجة المميتة له، لذلك تتعالق نصوصه بتداعيات أرقامها الفيزيائية لتنقلنا عبر أكثر من صورة يتضمنها مونولوج شعري، في سياحة ما وراء الشواهد والأحلام وعزلات الشاعر الخفيفة الحضور والغياب في آن،حيث تستيقظ في صوره متعة التلقي دون أن تترك متلقيها يذهب بعيدا وإلى ما يلي ذلك من شواهد والتقاطات وصور أخرى في حزمة تداعيات سفره وتجلياته، وتجنيحاته المحلقة بأجنحة الأبداع وانزياحات الصورة وجدل المعنى وجدول كلماته المستفز بصر التلقي.
بشغف حينا يأخذ قارئه إلى تلابيب لغة تشع في حضرته روح الشاعرالمتمردة حتى في لفتات الحروف، وأعطاف اللفظ، وطورا بملاحقة الصور المتداعية في تجربة شاعر يُعلم الشِعرلمن أراد أو يهدي به، لأن فتحي أبو النصر، بالفعل شاعر وعتال ماهر في اللغة، ومهارة الإصطياد.
شعر صهرته مقادير الفيزيقي وأسئلة المختبر في وجوديته وتأمله وانثيالاته العريقة عبر الصورة ومصنع الدهشة خلوا من حماقة الإيقاعات الفارطة الوزن، بقدر ما يلوح كبرقه ‘الواضح الغموض’ تتفرس كلماته في تنسيق التماثلات ليروي بلغته جفاف ما يساقط من نبات وأفضية وكوى عتيقة يؤنسن زواياها.
كثيرة هي الأشياء التي نتوقع إزاءها أن نمر دون أن يلفتنا إليها وما قد يستفز فينا النظرة والتحديق، أو الفراسة المحكمة القراءة، غير أن قليلا منها ما يدعو إلى الانتظار وحشد الحواس ومفردات المعرفة بالتذوق لتأمل وتلقي ما ستطالعنا به ونلاحق عبره شغف المعنى وماء اللغة الحية بصورها، كما نجد عبره مشاهد وصورا وخيالات ولا توقعات شتى وأمطارا تمطرها الكلمات في غيوم الشعر، لتذهب بحواس التلقي إلى أمداء الأغاني ورسم التفاصيل المهذبة في لا توقع الصورة وواقع ومتخيلات اللغة وفتونها.
هنا يكون القارئ بإزاء أغنية تحتفي بالغناء ذاته دونما رهط قوالب أو إيقاعات أو تصورات مسبقة، لأن الشعرلا يحتمل مرجعية أو حواشي عند كتابة اللحظة الشعرية، التي تحمل دائما وعدا باختلافها. كما تنزاح بأسئلتها وصورها الشعرية لتمد نظرة المحيط بأغان ومعان لها أكثر من دلالة ومواطن وتعبيرات لها من البهاء صور، ومن الشواهد والأتقاطات حفاوة بأكثر من فضاء وعزلة أو مكان. تماما كما يحتشد مختبر الشاعر وتفاعلاته عبر خيمياء الشعر وانسياب أسلوبه وتحليقه.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة