الخميس 2024-12-12 05:47 ص
 

ذات رحيل!

11:38 ص

كتب لي يقول.. آخر الكلمات كانت تبشر بلقاء حميمي عاصف، لقاء له نكهة البحر، ورائحته أيضا، لقاء، يحمل في طقوسه احتفاء عودة النوارس إلى أعشاشها بعد هجرة طويلة، والربيع إلى كرم عنب نضا ورقه وقطوفه الغضة، وشجرة لوز استحمت بماء المطر كي تلبس ثوب الزهر الآسر، ثمة احتفاء كان يجري في آفاق وآماد مرئية وأخرى متوارية وراء سحابة، وثمة استعدادات وفوضى حواس ومشاعر متضاربة، وثمة أيضا، جسد يرتعش انتظارا لسرير في الغيم، يتمدد عليه، فتنبت له جناحان يطير بهما معانقا قوس قزح، ليعبث باللون كيفما يحب، كما يعبث طفل مشاكس بعلبة ألوان مائية، يمسك بها للمرة الأولى!اضافة اعلان

كان ثمة طقس احتفالي منتَظر، وساحة الاحتفال المقامة في مكان خفي في ذاكرة تفتتح للمرة الأولى، لم يكن ينقصها شيء، العصافير كانت مستعدة للعزف على أوراق الورد، والريح جهزت نفسها كي تتحول إلى نسائم تعبث بسنابل الشعر الغافي على الكتفين، والندى، حتى الندى كان يقوم بالتجارب اللازمة كي يهبط في اللحظة المناسبة، كي تحول إلى قطرات فرح، لا دموع، والعينان المبلولتان بالشوق واللهفة أجريتا آخر بروفات العناق، أما الأناشيد، فكانت متهيئة لدوزنة الأوتار، لإطلاق نشيد الإنشاد، كل شيء كان جاهزا لاحتفال مهيب، ونام الفتى على وقع حلم مضمخ بروائح أزهار اللوز، كي يستيقظ وهو يطرق أبواب مملكة النوم على جرس الهاتف، يخبره أن الاحتفال برمته قد تأجل، ولو مؤقتا، فيمني النفس بأمل صغير ذاوٍ، أن يقف الأمر عند حدود التأجيل، لكن الهاتف اللعين لم يكف عن إرسال أصواته الناعقة، ليحمل الخبر الأخير: الاحتفال ملغى تماما، لا تنتظر، لم يعد ثمة احتفال، فمن تنتظره قرر أن ينام في سرير من تراب، بدلا من سريره المعد في الغيم!
يضرب الفتى رأسه، لعله يحلم، أو يهذي، فلا يتغير شيء، ثمة نعيق يشق الأذن كسيف مسموم محموم، إذن هو ليس حلما بل علما وحقيقة، من تنتظر لن يأتي أبدا، وسيكون اللقاء في العالم الآخر، فيتمنى الفتى أن يلحق بالراحلة، فلا يجد راحلة يرحل على ظهرها للحاق بمن رحلت، فيخلد للحزن، ويتمتم: مولاي وروحي في يده... قد ضيعها سلمت يده، وتغرق أشجار اللوز بالعاصفة، فلا تبقي على أغصانها ولو زهرة واحدة!!
فكتبت له على صفحة الماء.. انتظر موسما آخر، فلعل الغائب الذي لم يحضر يرسل لك مندوبا عنه، أو ممثلا شرعيا ووحيدا، يعيد بعث الحياة في الاحتفال، ويكمل ما كان بدأ للتو، فكتب لي: هل تنتظر وقوع المعجزة؟ ألم يرحل من تنتظر إلى ما وراء الوراء؟ فكتبت: بلى يا صاحبي، المعجزات قد تقع حينا لمرة واحدة، وليس أحيانا، أو قل ما يُهيأ لك أنه معجزة، ومعدات الاحتفال لم تزل جاهزة، والدموع التي ادُّخرت سيتم تحويلها إلى رذاذ معطر بالمستقبل.. سألني: هل تهذي؟ أم تحلم؟ قلت: ألم تبدأ بطقس احتفالي حالم؟ لم تستغرب مني أن أستمر في تواصلي معك باللغة ذاتها؟ هو حلم، كيف بك يا صاحب إن تحول إلى علم؟؟ هل تقوى من بعد على اجتراح التخيل؟؟ هل جربت أن تعود للنوم/ كي تستكمل الجزء الثاني من حلم، قطعته يقظة ما قبل الموت بقليل؟؟
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة