الأحد 2025-01-19 01:00 م
 

سارة ..

06:46 ص

اخر لقاء بيننا كان في الصف الرابع، كنا طفلين على أرجوحة الهوى ولم يكن عيبا أن نجلس سويا على رصيف الشارع ونأكل (البوظة ), واتذكر أن (البوظة) وقتها لم تكن جامدة بما يكفي..كانت تذوب على أصابع سارة وقلبي كان يذوب معها، وكنت أحاول عبثا أن أمسح من كفوفها ما سال من قلبي وبقي معلقا على تلك الأنامل.اضافة اعلان

سارة...كانت صبية مثل مطر الصيف رطب ولكن لايبلل....وكنت أجلس بجانبها في الصف الرابع،واتذكر حين استبد بنا برد الجنوب وعجزت يداها عن مسك القلم أتذكر أني خاطبت قلبي سائلا إياه وهل تهدى الاصابع ؟..كان بودي ان أهديها اصابعي الأربعة ولتكتب فيها..ما وردنا من أمر عاجل بنسخ سطر نثرته المعلمة على اللوح..لكن سارة من ألم البرد بكت قليلا، وأنا بكى قلبي معها، وعلمتها وقتها النفخ في الكفوف وفركها..ودون أن أدري غافلني وجد الجنوب وقبلت يداي يديها واتفقنا على أن تكون يدي اليمنى موقد حطب لسارة كلما داهمها البرد.
سارة...وذات يوم وخوفا من العقاب همست لها في الأذن اليمنى، اثناء درس الرياضيات..كنا نخاف أن نصدر صوتا حتى لا نعاقب، وأتذكر أن الهمس وقتها كان صلاة راهب..وأتذكر أن الهوى استبد بي، في اللحظة التي مالت هي على فمي..وأتذكر أن خصلات من شعرها الذي يشبه قصيدة نسجت على البحر الوافر في العصر الأموي انسدلت ونامت على خدي، أتذكر كيف هي ارتعاشة الهمس في فمي..وكيف راحت الدنيا تماما واختصر الله العمر والكون لحظتها في خصلة شعر.
سارة....وأتذكر أيضا أنها ذات صباح تعبت في الحصة الثانية،..وقررت المدرسة أن تسمح لها بالمغادرة ولأن حزيران قاس ولاهب، تركت حقيبتي في الصف وهربت من الباب خلسة حتى أرافقها للمنزل...وبقيت معها اعد الخطى المتثاقلة، وكأن مشيتها التحمت بنبض القلب في كل خطوة نبضة..وحين تقف يقف القلب معها..من وحد في الحب بين وقع الخطى ورجف القلب غيري ؟
سارة..تلك التي أمضيت أيامي أبحث لها عن (البكلة) التي ضاعت، عن ورقة سقطت على غفلة من الدفتر الأزرق، وعن الممحاة التي استعارها طالب كسول ولم يردها وأنا خضت معركة حامية لأجل ممحاة سارة...عن الجديلة التي انفرطت بسبب اللعب..ويا ليتني وقتها كنت أجيد صنع الجدائل...عن البكاء الذي اندلع ذات يوم لأنها لم تحصل على العلامة الكاملة في الإملاء، وانا أعرف أن القلم وقتها كسر..وسارة تأخرت في إيجاد(البراية)...والمعلمة كانت قاسية وظالمة، وقررت تضامنا مع الهوى وجدائل سارة أن أحصل على علامة مقدارها (50%) حتى لا يقال اني تفوقت على هواي، مجنون من يظن أنه يستطيع أن يجاري قلبه او يتفوق على الهوى.
سارة..هي وطن بكل تفاصيله، لا أكذب إذا قلت لكم أنها تشبه الأردن ولكن الفارق أننا كبرنا وابتلينا بالأربعين والشيب الذي داهم الرأس..وهو ظل في الصف الرابع...
لم أنظر يوما للأردن بعين الخائف كنت دوما أنظر إليه بعين العاشق...وحين تفعل ذلك تؤمن أن الحياة ستمضي......في بلادي الان يكثر (الخوافون) ويقل العشاق...
أزمتنا ليست في الربيع العربي، وليست في الحرب الدائرة في سوريا وليست في اقتصاد متكلس..أزمتنا في معرفة الفارق بين الخوف والعشق....ومن تعلم العشق من عيون سارة مبكرا لا أظنه يخاف المستقبل أبدا.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة