الرأي العام الأردني، والعربي عموما، مضطرب ومشوش، وأحيانا متناقض مع نفسه. ذلك ما تُظهره استطلاعات الرأي والمسوحات الميدانية، وآخرها مسح 'التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد الربيع العربي'، والذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية في الأردن، كما أجري في عدد من الدول العربية التي شهدت تحولات سلمية وثورية قبل أربع سنوات.
الموقف مما عرف بثورات 'الربيع العربي' التبس على النخب الفكرية والسياسية منذ البداية، فما بالك برجل الشارع العادي!
ومع انزلاق جميع الدول التي شهدت ثورات إلى الفوضى، باستثناء تونس، تعززت الانطباعات المتشائمة عن 'الربيع العربي' بوصفه عنوانا للخراب والدمار. وكل فوضى، وما يلحق بها من دماء وضحايا وخراب في عالمنا العربي، يكون مصدرها دائما خارجيا. هذا التحليل لما آلت إليه حالة الدول العربية، أصبح مستقرا في ذهن أغلبية المواطنين العرب. وتلخصه عبارة من كلمتين: مؤامرة خارجية. إنها النظرية الأقرب إلى عقول وقلوب العرب.
لكن الإيمان المطلق بنظرية المؤامرة، يخفي وراءه الصورة المشوشة في العقل العربي. ففي الوقت الذي يرى فيه أكثر من نصف الأردنيين، مثلا، أن ما حدث في الدول العربية هو مؤامرة من الخارج، يفيد قرابة 70 % بأن 'الناس خرجت في الدول العربية للتظاهر والاحتجاج بسبب تظلمات أو مشاكل اقتصادية'؛ أي لأسباب داخلية بحتة، وليس بفعل تحريض من قوى خارجية تتآمر على الدول العربية.
العقل العربي هو عقل كسول، وعاجز عن تفسير الظواهر السياسية والاجتماعية من حوله. وكي يختصر على نفسه بذل الجهد اللازم لفهم ما يجري، يميل إلى الحلول السهلة والسطحية، فيلقي بمسؤولية الفوضى والخراب والدمار على قوى خارجية؛ أميركا، وأوروبا، وإسرائيل، وإيران، وروسيا. وبعضهم ما يزال مصرا على أن بريطانيا هي 'رأس الأفعى'!
منذ اندلاع ثورات تونس ومصر وما تلاها من تطورات، لم نحظ بدراسة عربية واحدة تقدم تحليلا علميا وعميقا لمسار التحولات الجارية في العالم العربي مؤخرا.
النخب، بمفكريها وساستها، انخرطت في حالة الاستقطاب الديني والطائفي المهيمنة حاليا على الفضاء العربي. وفي معظم الأحيان، تبنّى هؤلاء خطاب الشارع الشعبوي والدعائي، عوضا عن التصرف كنخب متفوقة على عامة الناس؛ بعقلها وفكرها.
وكنت آمل لو أن القائمين على الاستطلاع استكملوا سؤال المؤامرة، بأسئلة عن مخططات تقسيم الدول العربية التي تم وضعها في الغرف المغلقة بمراكز المخابرات العالمية! ستكون النتائج مذهلة بحق.
الجميع على قناعة اليوم بأن عديد الدول العربية مهددة بالتقسيم والتفكك. وهذا صحيح، لكن الخلاف إن كان هذا بفعل مخططات معدة مسبقا، أو نتيجة لتحولات موضوعية من صنع أيدينا نحن العرب؟
إن استطلاعات الرأي والمسوحات الميدانية، مجرد مقاطع مصورة تعطينا فكرة عن مزاج الناس، وطريقة تفكيرهم، ونظرتهم للأمور من حولهم. لكنها لا تفيد أبدا في تفسير الظواهر التاريخية الكبرى، ولا يجوز الاعتماد عليها في صوغ النظريات العامة. هذه مهمة النخب والمفكرين، وليس عامة الناس الذين بالكاد يقرأون ما تيسر من عناوين الأخبار على صفحات 'فيسبوك'.
لقد نال شعار 'الشعب يريد' قدسية كبيرة في سنة 'الربيع العربي' الأولى، ولم يجرؤ أحد بعد ذلك على السؤال: ماذا يريد الشعب بحق؟
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو