الوكيل - لا مندوحة من القول، إنّ ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي كان في إرهاصاته الأولى عبارة عن غضب شبابي لم تظهر أدلجته ولا قادته إلا بعد عدّة خطوات، حيث ظهر المشتغلون بالثقافة ومن بعدهم الساسة وتبعهم التيارات السياسية والدينية، فركبت الحراك بحكم تمرسها وخبرتها وبدأت الحركة الثقافية ترصد هذا الحراك وتوازيه كتابياً أو بإصدار بيانات وغير ذلك.
الوصف السابق المبتسر، قد يكون يوماً مقدمة لدرس تاريخي بأحد المناهج الدراسية التي توجه للمرحلة الدراسية الأولى وقد يزاد هذا الوصف في مراحل أخرى بأنّ الأخوان قد سرقوا الحراك مما أدى لحراك مضاد ظهرت حركته التكتونية بعد عدّة أشهر أو سنين ليتم إسقاط التيار الديني الأخواني وعودة العسكر الذين كانوا الحكومة الخفية لكلّ الأنظمة العربية، فمن أُخرج من الباب عاد من الباب الخلفي المخصص للنجاة من الحرائق.
ما سبق يشبه البلاهة السياسية التي عُملت بها الشعوب العربية منذ الاستقلال عن الاستعمار القديم ويشبه أكثر أنّ ما فعله الأخوان لم يكن أكثر من ما فعله المشتغلون بالحقل الأدبي والفني والدليل بعض البداهات بما أنّ لعبة البداهات الثورية تجتاح الفكر والخطاب على امتداد ما يُسمى البلاد العربية.
بداهة أولى: نسبة القراءة في الوطن العربي من أضعف النسب في العالم حيث حصة الفرد في البلاد العربية لا تتجاوز الربع ورقة من نوعية A4.
بداهة ثانية: كتب التنجيم والطبخ هي الأكثر مبيعاً وعدداً وأحسن كتب الشعر تبيع ألف نسخة فيما الرواية لا تتجاوز الخمسة آلاف نسخة وغير ذلك من كتب نقدية أو معرفية لا تجد من يحركها من رفوف المكتبات، فيما المجلات والجرائد كانت من نوعية الثرثرة الثقافية حول جنس الملائكة ونأتي هنا إلى بيضة الميزان حول الكتب الممنوعة من التداول وإن قمت بإحصاء لوجدت عددها بالمئات فقط، فهل تلك المنطقة الثقافية لها شأن بهذا الحراك.
وعليه هل البداهات السابقة لها فضل في هذا الحراك؟ قد يقول قائل بالطبع، فالروائي قد بشّر بالثورات والشاعر كذلك فعل وبالإمكان الإجابة عليه وهل حررت فلسطين القصائد والروايات وكتب النقد والمجلات والجرائد ذات العناوين الطنانة بالشجب والاستنكار وغير ذلك!؟.
بداهة فنية: في عالم فني تراجعت في فيروز وأم كلثوم وعالم من الميديا سيطرت عليه قنوات الأغاني والخطاب الديني وشاشة صغيرة وما قدمته من مسلسلات لا تستوي مع فلم قصير ل’ توم وجيري’ بالنقد.
لا أريد أن أكمل بتلك البداهات السخيفة والتي لا تحمل بين طياتها المصطلحات اليسارية ولا اليمنية ولا رومانسية ‘إذا الشعب أراد الحياة….’ ولن أدلل على النتائج المتحصلة من الحراك العربي الآن ولكن ما أريد قوله، ليس الأخوان أو العسكر لوحدهم من سرق الحراك الشبابي العربي بل يجب التنبه للمثقفين، أكثر هؤلاء الذين يشبهون المتنبي مع عظمته وعظمتهم فعندما خاب من بلاط سيف الدولة ذهب إلى كافور مادحاً ومن ثم هجاه ومازالت حياته تنوس حتى قتله بيته الشهير الذي مطلعه: ‘الليل والبيداء .. ‘وفي تدقيق القصة تجد الفبركة المعهودة في تراثنا العربي فأنْ قتله فاتك مع ولده وخادمه، من نقل القصة وأعطاها البعد الدرامي والقفلة الذكية !؟.
المثقف العربي، مثقف هارب، فترى المشرقي متناولاً المغربي بنقده السياسي وترى المغربي مغفلاً واقعه ومنشغلاً بالهم المشرقي وترى الخليجي الذي يرفل بالإستبرق والحرير ينظر للثورات وحريات الشعوب.
وعودة إلى الحراك الشبابي العربي والذي أراه المصطلح الأفضل لتوصيف ما يحدث وسأقدم كمشتغل بالكلمة، أمارس السجع والكهانة نصيحة لم تعد تنفع، فقد فات أوانها.
الجيل الذي تحرك لا يمت بصلة لجيل القوميات أو المدّ الديني أو غير ذلك من إرث القرن المنصرم وإنْ كان من أملٍ في التغير الحقيقي على هذا الجيل أنْ يرفض كل تلك الورثة السابقة من القرن المنصرم من ساسة ورجال دين والأهم المثقفين، فهي تركة قد استغرقتها الديون والذي يحدث الآن أن التركة السابقة تعود وستبتلع كل ما حدث ويصبح درساً في التاريخ لمناهج معقمة.
الشباب الذي ثار، قد قرأ المغامرين الخمسة وحضر الرجل الوطواط وسوبرمان وشعبولا و حفظ عدداً من بيوت الشعر وقد قرأ لوليتا وملّ من العادة السرية ومتابعة المواقع الإباحية على النت. الشباب الذي ثار يريد أن يأكل ويشرب ويرقص ويتزوج لا أن يصبح ورقة سياسية بيد فئة حزبية أو سجادة بيد طائفة دينية أو ورقة بيد مثقف يمارس المجاز.
في نهاية هذه البوح السخيف، أستطيع القول: إن ما يُسمى الربيع العربي، قد أعاد الحرب الباردة وحقق آمان إسرائيل وأعاد الشباب لأنظمة ستحكمنا باسم الديمقراطية الديكتاتورية وقد زهقت شهرزاد من صياح الديك، فطبخت لشهريار عليه، فذبحته وأطعمت مسرورا وتوقفت عن الحكاية.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو