الخميس 2024-12-12 05:35 ص
 

شو يعني وطن

08:41 ص

وأنا أقوم بتدريس إبني أمس , وهو في الصف الثاني ..مررنا بكلمة وطن فسألني بكل ما في اللحظة من تعب :- (بابا شو يعني وطن) ...؟اضافة اعلان

سأجيبك يا بني ...سأجيبك , ربما لن تفهم ما سأكتب ولكن حين تكبر ..ويكبر في الشيب ويكبرالتعب , وأسجى ..مكفنا بالغرام , في تراب الجنوب الأغر ...ربما ستمر على أرشيف والدك وتقرأ تعريفي للوطن ..ربما لحظتها ستعرف معنى وطن.
هو تلك الخفقة غير المنتظمة , التي تصيب صدرك ..حين تدخل , أول منعطف في الكرك ..ويتبقى لك مجرد دقائق كي تصل , الدار التي ولدت فيها وعشت كل طفولتك ....هو شيب (الخالات) التي تذكرك وجوههن بأمك , هو اللحظة التي يقمن بها بتقبيلك على الخد والدعاء لك بطول العمر ...والجلوس بجانبك ومسح رأسك وتذكيرك بأمك ..وإستعمال عبارة (من ريحة المرحومة أم عبدالله) ...
هو أن تبقى طفلا , حين تمر عيون رجال العشيرة على وجهك ..ويبتسمون في محياك , ويخبرونك عن والدك وأنه كان أكثر الناس وقارا وحضورا ..وتشعر أن كل نظرة منهم ..هي نظرة أب وعم وخال ...
الوطن يا بني ...هو ذاك (الراهب) الذي يناديك في الكرك ,على باب الكنيسة ويمسح على رأسك ويذكرك بمقالات كتبتها قبل سنوات طويلة ...ويذكرك بطفولة أنت نسيت جزءا من تفاصيلها , ويقول لك بكل وقار الراهب :- (العذرا تحميك يا إبني)..وتشعر في لحظة , أن المسيح مازال يطوف في سماء الكرك ويحمي قلوب الناس وينشر المحبة بينهم ...
الوطن يا بني , هو أن تذهب للسلط ذات مساء ..ويصادفك شخص لاتعرفه ولكنه شاهدك على التلفاز مرة , ويقبلك على الخد الايمن والخد الأيسر ...وتحس في لحظة أنه يريد حملك على أهدابه , ثم يأخذك للعشاء ..وأنت تستسلم لحب الناس وطيبتهم ..وتشعر أنك في قلب طوفان من الوفاء والرضى ..
الوطن ...هو (أبو عدي الصقار) ..الذي يأتيك إلى عملك , من الرمثا حاملا معه (مخلل ..ولبنه , وزيتون) ...ويسألك عن الأولاد , وعن دفء يديك وقلبك ..ويسألك عن وميض عيونك , وتشعر لحظتها ..أن ما بين الشمال والجنوب وريد لا تعرف أين مصبه واين مجراه ...
الوطن , هو تلك اللهفة التي تصيبك , على أطراف معان ..وتتذكر الراحل سمير أبو هلاله , وكيف جئناه ..في زمن العنفوان والرفض , من عمان ...وكانت معان وقتها ... مثل نخلة إنتصبت على شاطىء الفرات ..ويحج لها كل العشاق وكل اليسار وكل اصحاب الهم القومي , يطمعون بظلها ورضاها وتمرها ...
الوطن ..هو أول رسالة حب كتبتها إلى ليلى , وسرقت بعضا من شعر نزار وضمنته في النص ...وظنت ليلى أني شاعر , وردت علي برسالة ..كانت أغلى ما امتلكت في العمر , بقيت يوما كاملا أعيد قراءة الرسالة , وما زال خط ليلي ..وحروف ليلى مرسومة في الذهن ..
الوطن ..هو الذكريات , هو العشق , هو الزمن الذي يملك رائحة الياسمين ..هو الشماغ , هو العسكر الذين ...مروا من هناك , وتركوا بعضا من رائحة دخان (الكونتنتال) ...هو كل شيء , في العمر ...فهل يكفيك هذا التعريف يا بني ؟


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة