الأحد 2024-12-15 03:30 م
 

عصفور الضغط

04:28 م






تعتمد استراتيجية (طنجرة الضغط) على حبس البخار وكبته وتكبيله، والتضييق عليه، مما يسبب زيادة هائلة في الضغط الجوي داخل الطنجرة، وهو الأمر الذي يرفع درجة غليان الماء إلى مائتين أو ثلاثة مائة درجة مئوية (في الظروف الطبيعية، لا تتعدى حرارة غليان المائة درجة، كما تعلمون)، وهذه الزيادة الكبيرة في الحرارة، هي التي تسبب النضج السريع للطعام، حتى لو كان لحماً (هرشاً) لرأس ثور من العصر الحجري.اضافة اعلان


البخار لديه قوة هائلة، قد تصبح إنفجارية، وهذا معروف. فحتى القط الهزيل، إن حبس ينقلب نمراً، فما بالك في بخار ساخن، يُرفع ضغطه إلى أرقام فلكية، ويكبت، ويحبس، ولهذا لم يتركوا طناجر الضغط، بلا عصفور تنفيس، وهو الصمام الذي ينظم خروجاً متوازياً للبخار، فيحقق الهدف المرجو، وهو رفع درجة حرارة الماء، وبنفس الوقت لا يتسبب بكارثة إذا ما ظل البخار حبيس الطنجرة. فكل جدران العالم وطناجره لا تقف في وجه بخار مضغوط مكبوت. وقد رأينا ثورات الربيع العربي.

ومن ميزات طناجر الضغط، أنها تبدأ بالصفير أو الزقزقة، بشكل أعلى، كلما ارتفعت درجة الحرارة في داخلها، وعندما تصل إلى أعلى درجة حرارة ممكنة، يأخذ الصفير شكلاً مختلفاً ومغايراً، تعرفه كل ربات البيوت، وتحفظ ذبذباته، ولكنته. ويجب أن يعرفه كل أصحاب القرار، في المطابخ السياسية أيضاً. فعندما يصبح صوت التنفيس مختلفاً، وكأنه مارد محبوس، يجب إنزال الطنجرة عن رأس النار، وتبريدها بماء الحنفية، والإنتظار قبل فتحها، لأكلها، أو التأكد من نضجها.

فشكرا لعصافير التنفيس، ولا أعرف ما اسمها المتداول، فقد رأينا الشعوب المطبوخة المضغوطة، التي حرمت من هذه العصافير، كيف انفجرت وتطايرت من الطنجرة، ولطخت الجدران. والحمد لله أن الكلمات الصادقة، النابعة من معاناة الناس ومن لحمهم المطبوخ. الكلمة التي لا تحدها السقوف، ولا تخنقها الظروف، هي التي كانت وستبقى عصافير تنفيس تبعد الكارثة.

السياسة تتشابه فن الطبخ. تحتاج إلى نار بعدة درجات: تحتاج للهادئة تفيد بالنضج البطيء، ولنار حامية تليق بالقلي، ولمتوسطة تناسب الخبز والخبيز، وإذا كان الطهاة يستخدمون طنجرة الضغط لطبخ المقادم، ورؤوس الخرفان والثيران، فالسياسية وطهاتها لهم فيها مآرب أخرى!.

نصيحة مطبخية من الشيف رمزي: على ربة البيت، أن تحفظ جيداً نغمة عصفور طنجرة ضغطها، حين تؤول للنضج. وعليها ألا تتركها في مهب إنفجار، لا تحمد عقباه. وصحتين وعافية.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة