حين نتابع معركة « التوجيهي « وغيرها من القضايا والجهد الكبير الذي تبذله الجهات الأمنية لمنع الغش وتقليل التجاوزات ومعاقبة الخارجين عن القانون تحت عنوان « هيبة الدولة « نتذكر جميعا الفكر الأوسع الذي يفتح على الدول والمجتمعات مشكلات الفوضى أو الاستقواء أو الفساد أو إشاعة الخوف، أنها عقلية الميليشيات التي تظهر في دول عديدة في هذه المرحلة أو ظهرت في عقود وسنوات ماضية.
و»الميليشيات « في صورتها المألوفة مجموعة مسلحين على سيارات مسلحة يفرضون ما يريدون، ويقطعون الطريق، أو يغلقون المؤسسات ويعطلون القانون، لكنها أيضاً صور كثيرة قد نراها يومياً وجوهرها أن يشعر فرد أو مجموعة أن بيدهم فعل ما يريدون، وأنهم السلطة، وأنهم حاضرون في عقل (السلطة) حضوراً يحولها إلى سلطة شكلية، بغض النظر عن شكل السلطة.
وإذا عدنا إلى مثال التوجيهي فإن المشكلة كانت في قناعة لدى أطراف عديدة بأن بيدهم إفساد الامتحان وإيصال الإجابات لمن يريدون أي فرض قانونهم على الدولة، وتحويل المراقب والشرطي أي الدولة إلى مشهد شكلي، لأن من يريد الغش أو الحصول على نجاح مزور يمكنه ذلك رغم أنف المراقب والشرطي والوزير والحكومة وكل شكليات القانون والدولة.
عقلية الميليشيات ليست موجودة في دول نشاهد فيها مقاتلين يغلقون وزارة أو يحتلون مؤسسة أو حتى يخطفوا رئيس وزراء، بل هي ذاتها فيمن يعتقد أن بإمكانه أن يفرض ما يريد حتى لو كانت الوسيلة ظاهرها مقبول، لأنه ينتقل من التعبير إلى منع مدير دائرة حكومية من العمل إلى حين الاستجابة لشروطه، وظاهر الأمر حرية التعبير وباطنه فرض الأمر والشروط.
وعقلية الميليشيات هي التي تراها في أي مجتمع ربيعي، نسمع فيه أصواتاً تخرق كل السقوف، أو تسكن الشارع، وفي كواليس التوافق يختفي فجأة والسبب ليس الاستجابة لإصلاحه بل لمصالحه، إنها إدارة المصالح باستخدام ميليشيا الربيع، والفاسد أيضاً يعمل بعقلية الميليشيا عندما يستقوي على الدولة ويفرض عليها مطالبه التي هي فساد وثراء غير مشروع أو إصدار قرارات إدارية أو تشريعات تخدم فئة أو مجموعة.
« الميليشيات « تنظيمات جوهر فكرها القناعة بأنهم السلطة الحقيقية، وأن الدولة أو ما يعادلها من سلطات أضعف منهم، ولهذا فالهيبة واستعادتها ليست مسلوبة من طالب يضع سماعة في أذنه للغش، أو من حامل البوق على أسوار مدرسة يعلن الإجابات السليمة، إنها حالة شاهدناها ونشاهدها تحت عناوين غش التوجيهي أو الاعتداء على أمن الناس والسرقات، أو تعطيل مسار المؤسسات وخدماتها وتعطيل حاجات الناس، ورأيناها في مجتمعات عربية على شكل بلطجة أو ميليشيات مسلحة، لكن المحصلة أن هناك من حمل قناعة بأنه أقوى من الدولة، ومن رفع سلاحا أو رفع صوتا بغير حق فكلها عقلية واحدة.
ولمنع إساءة التفسير فإن ما نقصده لا علاقة له بالتعبير السلمي الديمقراطي أو المطالبات المشروعة التي تتم تحت سقف القانون وبشكل عام فإن أي جهد لاستعادة الهيبة يجب أن يدرك أن هدفه العقل الذي رأى الدولة سهلة المنال، ومن أعتقد أن حقوق الآخرين حق له لأنه يملك نفوذا، فالميليشيات عقلية قد نراها حتى في دول مستقرة.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو