الخميس 2024-12-12 12:48 م
 

عن أيام زمان

08:50 ص

أتذكر التلفاز زمان، وما يسمى بثورة الحداثة في الفن.. في لحظة ما برز مطرب اسمه (حميدي الشاعر)، منتصف الثمانينيات.. كان ثورة حقيقية، على إرث شفيق جلال المتمثل بأغنية (أمونة بعتلها جواب..).. اضافة اعلان

أتذكر أن أول أغنية له كانت: ( حبيبة يا حبيبة.. اليوم مرت عليا ).. بالطبع نحن كجيل ما زال في الابتدائي، تقبل حميدي الشاعر.. ولكني أفرادا من العشيرة كانوا يجتمعون عندي أبي، في المساء.. وحين يظهر هذا الرجل على التلفاز.. تبدو عليهم علامات الغضب، وأتذكر أن أحدهم يومها.. ومن شدة حنقه: أطلق تهديدا عنيفا لحميدي الشاعر.. وقال: (أخ لو اقضبك بس)..
الثورة الثانية تمثلت ببروز (وليد توفيق)، وكان يضع في يده إسوارة من الذهب.. وأبي كان له موقف مهم من هذا المطرب، وقد تمثل ذات يوم.. حين ظهر على التلفاز.. بتوجيه صفعة مدوية لي على الرقبة، وقال لي: (بتتفرج ع الهمل ).. وأنا بالطبع هربت.. وكان مباشرة، حين يشاهده يقوم بإطفاء التلفاز..
ثورة الحداثة في الغناء، تجلت ببروز (راغب علامة).. وكان هذا المطرب غالبا ما يظهر على التلفاز ( مسشور)، وأن أتذكر أول أغانيه: ( لا تلعب بالنار بتحرء صبيعك.. إللي بيشتريك بيرجع ببيعك).. أنا بالطبع، غالبا في أيام الجمعة أجلس عند أبي، لأنه موعد (خفارتي).. وجلوسي هذا كان يقتضي القيام بمهمات دقيقة منها إحضار (مكتة ) الذهاب لشراء السجائر.. البحث عن مقص الأظافر، أيضا إحضار الشاي.. وبالطبع راغب لم يكن مثل وليد توفيق كان يرتدي إسوارة في اليد، وسلسلة ذهبية في الرقبة، والقميص كان مفتوحا من جهة الصدر.. وهذا الأمر كان ابي يعتبره خدشا للحياء العام، وأنا لحظة ظهور هذا الطرب كنت أهرب على الفور.. لأن وليد توفيق كان يستدعي صفعة، بالمقابل راغب علامة ماذا يستدعي..؟
ذات يوم.. لم يسعفني موقعي في الهروب فقد كنت منبطحا على (الفرشة ) ونسيت موقف أبي من ثورة الغناء الجديدة، وفجأة بث التلفاز أغنية راغب علامة.. التفت إلي وشاهدت (منفظة سجائر) محلقة في الفضاء، سقطت مباشرة على الكتف الأيمن.. ولكني تمكنت من الهروب..
بعد راغب علامة، ظهر مطرب اسمه: (ربيع الخولي).. وكان هذا الرجل مليئا بالذهب، خواتم في الأصابع، إسوارة.. وسلسة ذهبية في العنق، لهذا كنت أجلس عند طرف الباب، في لحظة تحفز.. فحين يظهر مباشرة أغادر.. وكان أبي دائما يعلق عليه قائلا: ( مربي شوارب.. إخس).. كان ينظر له أنه مطرب أهان الشوارب..
في ثورة الحداثة تلك, استطاع أبي أن يعلل اسباب انهيار الأمة وضياع فلسطين وتشرذم كلمة الشعوب.. وأعتبر أن ظهورهم، هو مؤامرة أمريكية.. ضدي بالدرجة الأولى.. وكان أغانيهم مبررا للإنقضاض علي .
حين كنت أحضر علامة متدنية في مبحث الإنجليزي كان أبي يبرر الأمر بأن السبب يكمن في (الهمل) وأنني دائما استمع للأغاني (الهاملة)..
البارحة، كنت جالسا على التلفاز.. أتابع برنامج (ذا فويس) وضحكت مطولا.. يا ترى لو بث هذا البرنامج في الثمانيننات.. ماذا كان سيفعل أبي: ( كان طخني) قبل ايام مرت ذكرى وفاة أبي.. فقد سكن التراب، منذ (13) عاما ويزيد.. وفي ذكراه وددت أن أخبره جملة واحدة فقط وأن أقول له: أبي ما زالت المؤامرة مستمرة.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة