لدي 8 ملاحظات على ما حدث في بلادنا طيلة الأيام الستة التي أفرزت من الناس أفضل ما لديهم، استأذن بتسجيلها لفهم ما جرى واستبصار ما هو قادم، فما جرى مجرد جولة أولى في ماراثون طويل، لم يكن -بالطبع- مفاجئاً الا لمن تعجل في اصدار «نعي» الشعوب ونهاية ربيع وعيها، او ربما لمن أراد معاندة التاريخ الذي لا يمكن لعجلته ان تتوقف الّا في محطة المستقبل الذي يقرره الناس لحياتهم.
الملاحظة الاولى: ما حصل قبل إقرار مشروع «الضريبة» فهم على انه إساءة لمشاعر الناس واستهانة بأحوالهم وأصواتهم، لكن ما حدث بعد ذلك، خاصة حين تم رفع أسعار المحروقات، فهم على انه بمثابة حرق مشاعر للمجتمع، ومع أن الإساءة كانت مؤلمة ومثيرة الاّ ان المجتمع ابتلعها فيما لم يستطع أن يبتلع الضربة الأخرى التي حرقت مشاعره وتقصدت اهانته والاجهاز على كرامته.
الملاحظة الثانية: الوجوه التي خرجت للشارع هذه المرة لم تكن مألوفة في سياقات الاحتجاجات التي شهدها الشارع فيما مضى، فهؤلاء الشباب كانوا ينتمون الى «مجتمع» الفرجة لكنهم بعد سنوات من الإحساس بالخيبة والإحباط وبعد ان اقتربت «اسواط» الاقتصاد القاسية الى جلودهم، وأدركتهم تعطل عجلة السياسة وصراعات الهوية خافوا على مستقبلهم فتحركوا من منصات الفضاء الالكتروني الى الميادين بأوامر ذاتية من الإحباط، وباستجابة حصرية لنداء البحث عن الامل الذي طرق أبواب قلوبهم لكي يصحوا على وطن أحبوه وقرروا الدفاع عنه.
الملاحظة الثالثة: ان انسحاب الاخوان المسلمين من المشهد السياسي بعد «المحنة» التي مرّوا بها أدى الى انسحابهم من ميادين «الاحتجاج» ايضاً، ومع أنها ليست المرّة الأولى التي «يتخلف» فيها الاخوان عن أزمات الشارع واحتجاجاته، الاّ انها كانت فرصة لكسر ثنائية «الاخوان أو الإصلاح» التي تم من خلالها التخويف من الإصلاح بذريعة هيمنة الإخوان على الشارع وللقوى التقليدية ولفزاعة «المكونات» والهوايات الفرعية والسياسة التي رفعت في الأعوام الماضية.
الملاحظة الرابعة: لا اعتقد ان احتجاج الشارع قبل (30-5) كان في وارد توقعات الحكومة التي استبسلت في اتخاذ القرارات الاقتصادية القاسية، لقد كانت تظن ان المجتمع خضع تماماً لما تفرضه من مقررات، وأن بمقدارها ان تفعل ما تشاء، لكن ما حدث ان الناس استعادوا «وعيهم» او ربما صحوا من نوم طويل ذهبوا اليه برغبتهم، فانطلقوا لتذكير الجميع انهم ما زالوا احياء يرزقون، ويتحركون ويحتجون ايضاً.
الملاحظة الخامسة: على مدى نحو ثلاثة أعوام، وتحديداً منذ ان انصرف الناس من الشارع بعد انتهاء ربيع احتجاجاتهم، أصبح الطرف الغائب في المعادلات السياسية هو «الناس» لقد اقتنع كل من شارك في صناعة القرارات ان الملعب أصبح خالياً تماما من «اللاعبين» وان بمقدوره ان يصوّب نحو المرمى الشعبي ما شاء من ركلات مع ضمان تسجيل ما يريده من أهداف، لكن فجأة نزل المتفرجون من على المدرجات وقرروا ان يخوضوا مباراتهم بروح وطنية، عالية، ثم خرجوا منها فائزين.
الملاحظة السادسة: في معركة «كسر الارادات» التي خاضها الشعب ضد الحكومة ومقرراتها، برزت الدولة بقيمها وقيمتها كثابت في الخطاب والشعار معاً، فالدولة ملك للجميع والحفاظ عليها مسؤولية الكل، وبالتالي فإن من خرج منتصراً من هذه الجولة الشعبية هو «الدولة» التي استعادت حضورها وألقها بقوة الشعب والتحام القيادة معه.
الملاحظة السابعة: فيما كان الشارع مجالاً عاماً للإفصاح عن الغضب والمطالبة بالتغيير كان ثمة مجال عمومي آخر يشهد حراكات لا تقل أهمية عن حراك الناس في الميادين، وهو الفضاء الإلكتروني الذي مثل «فضاءً» امتزج فيه الافتراضي بالواقعي، ومن المفارقات أن هذا الفضاء كان ميداناً لمعركة طاحنة بين أطراف عديدة، صحيح أنها لم تكن متكافئة، لكنها انتهت لمصلحة الذين رفعوا أصواتهم لاسترداد حقوق الناس في الحرية والعدالة والكرامة.
الملاحظة الثامنة:أهم ما انجزناه في ستة أيام هو إعادة اكتشاف المجتمع لحيويته وإعادة ترسيم علاقة الناس بدولتهم، صحيح ان ما بعد رحلة الاكتشاف والترسيم ستكون طويلة، وتحتاج الى مزيد من الوعي والرقابة والعزم، لكن الصحيح ان خطواتها الأولى بدأت وفجرها بزغ، اما امتحانها فسيكون «الثقة» هذه التي افتقدناها فيما مضى وأصبح استعادتها اليوم بمثابة نكون أو لا نكون.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو