الأحد 2024-12-15 02:54 م
 

في قضية "الشيشة"!

06:51 ص

مع اقتراب الموعد المحدّد لتطبيق منع 'الشيشة' (الأراجيل) في المقاهي والمطاعم، ترتفع وتيرة النقاش والسجال الاجتماعي بين مؤيد ومعارض للقرار. لكن يزداد في الوقت نفسه منسوب القلق والتوتر لدى آلاف العاملين في هذا القطاع السياحي، ومئات المستثمرين فيه؛ الذين يشعرون أنّ أرزاقهم وأموالهم التي وضعوها في هذا القطاع أصبحت مهدّدة بقرار من أمانة عمان ووزارة الصحّة!اضافة اعلان

ثمة ملاحظات متعددة يمكن أن تقال على هامش الحوار. لكن إقحام موضوع تطبيق القانون واحترامه على هذا الجدل، مسألة فيها نظر. فالقانون يقوم على مراعاة مصالح الناس؛ ومن قام بفتح مقهى أو مطعم، وحصل على ترخيص بتقديم 'الشيشة'، سيتضرر كثيراً اليوم من هذا القرار. كما سنجد أنفسنا أمام أعداد كبيرة في الشارع تعتمد على هذا القطاع. وإذا كانت نسبة كبيرة منهم اليوم من الأشقاء الوافدين، فإنّ هنالك اليوم أيضا نسبة كبيرة من المواطنين والشباب الأردني، الذين تجاوزوا حاجز 'العيب' ويعملون في هذا القطاع، فباتوا مهدّدين بفقدان وظائفهم فيه.
إذا اقتصرنا على البعد القانوني، فلماذا لا نبدأ بتطبيق القانون بحسب الأولويات؛ في المؤسسات العامة والوزارات والمستشفيات والبرلمان، ثم نلتزم بالقانون بمنع الأحداث وصغار العمر من الدخول إلى المقاهي وشرب 'الشيشة'؛ كما نمنع ترخيص محالّ جديدة تقدّم 'الشيشة'؟ وذلك قبل أن نأخذ خطوة واحدة على الجميع، من دون إدراك حجم الضرر الكبير الذي يقع على العاملين والمستثمرين!
'الأمانة' و'الصحة' اتخذتا قراراً سابقاً بمنع ترخيص 'الشيشة' في المقاهي، لكنّ العديد من الرخص مرّت بعد ذلك القرار. وهنالك أنظمة تمنع دخول المراهقين إلى تلك المقاهي، لكنّها غير مطبّقة. كما هنالك منع للتدخين في الأماكن العامة، غير مطبّق بدوره. فلماذا نترك ما هو ممكن أو صعب، ونذهب نحو الأصعب والأكثر تعقيداً؟!
إذا تجاوزنا الجانب القانوني وانتقلنا إلى الجانب الصحّي، فإنه لا يقلّ أهمية عن الأول، مع انتشار السرطان والأمراض الخطرة، وتكلّف الدولة ثمناً باهظاً في علاج المصابين به. مع الإشارة إلى التقارير التي تحمّل انتشار التدخين مسؤولية رئيسة في هذه النسبة المرعبة في الأردن.
وبالطبع، لا يستطيع مواطن عاقل أن يختلف مع هذه النيّة الطيّبة، في حال كانت هي فعلاً وراء هذا القرار. لكن السؤال المهم: هل سيؤدي ذلك إلى الحدّ من نسبة المدخّنين؟ الجواب: لا. وهل سيؤدي قرار منع 'الشيشة' إلى الإقلاع عنها؟ الجواب: لا؛ بل ربما يدفع ببعض من يتناولونها إلى القيام بذلك في منازلهم، مع ما يحمله من مخاطر صحيّة أكبر على العائلة والأسرة!
القضية، إذن، مرتبطة بالجانب الثقافي والإعلامي، أكثر مما هي مرتبطة بقرارات فجائية، من دون إدراك لتداعياتها وأبعادها. فالأصل، إذا كانت الدولة حريصة فعلاً على المواطنين، وهاجسها حماية الصحة المجتمعية، أن تبدأ بخطوات متدرّجة ومتسلسلة ما بين التمدّد في فرض القانون والتعليمات حول منع التدخين في الأماكن العامة والمؤسسات الحكومية وحافلات النقل العام، وتطبيق القانون فيما يخص الشروط الصحية بتقديم 'الشيشة' في المقاهي، على صعيد السلامة العامة والأطفال الصغار. وبعد ذلك، فيما لو نجحت هذه الخطوات واقعياً، يتم اتخاذ خطوات أخرى لتشجيع المواطنين على الإقلاع عن التدخين و'الشيشة'، مثل منعها في المطاعم التي أدخلت هذه الخدمة بالإضافة إلى الطعام.
أمّا أن يأتي القرار بهذه الصيغة، فسيكون الخاسر الأكبر منه هو قطاع السياحة وأصحاب المقاهي والمطاعم والعاملون في هذا المجال؛ وهي نسبة كبيرة. فيما لن يؤدّي القرار إلى تغيير ثقافة المجتمع والناس بصورة جوهرية، طالما أنّ الدولة لم تنجح بما هو أهم؛ أي منع التدخين في الأماكن العامة والمؤسسات الحكومية!


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة