الخميس 2024-12-12 11:05 م
 

قراءة قانونية في قرار تمديد توقيف الفريق الذهبي

01:47 ص

بقلم ... المحامي الدكتور أشرف سمحان

قبل فترة قصيرة اثار السادة فريق الدفاع عن الذهبي مسألة عدم صحة القرار الصادر بتمديد توقيفه، مشيرين الى المثالب والعيوب التي شابت ذلك القرار، مما اثار سجالاً وجدلاً قانونياً كبيراً حول هذا الخصوص. واذا كان لي ان ادلي بدلوي للمشاركة في هذا السجال فأقول وبعيداً عن اي اتهام لاي طرف كان، ولما كان الاصل في المتهم البراءة، ولما كان المتهم يتوجب ان يبقى يستفيد من هذه القرينة الى ان يتم دحضها بالحكم الجزائي القطعي بالادانة، فلن اناقش مدى اعتبار السيد الذهبي مذنباً بالجرائم المسندة اليه ام لا، وانما سأناقش -ومن ناحية تقنية قانونية اجرائية بحتة فقط- مدى صحة قرار التمديد من عدمه، حيث اسهب السادة فريق الدفاع عن الذهبي في تبيانهم المخالفات المرتكبة في قرار تمديد توقيف السيد الذهبي دون اية اشارة الى اثر تلك المخالفات على صحة القرار الصادر بتمديد التوقيف. اضافة اعلان

لما سبق، ولمناقشة هذه القضية بطريقة علمية ممنهجة لا بد ابتداء من التحقق من مدى صحة ادعاء فريق دفاع الذهبي من وجود اخطاء وعيوب تخللت القرار الصادر بتمديد توقيفه، ومن ثم ننتقل لدراسة اثر هذه المثالب والعيوب على صحة قرار التمديد، وفيما اذا كان جزاء تلك المخالفات يصل الى درجة الافراج الفوري عن السيد الذهبي –كما تمني جهة الدفاع نفسها بذلك- ام لا، في محورين اثنين كما يلي.
أولاً: المحور الاول: ونبحث به في مدى وجود عيوب واخطاء تخللت القرار الصادر بتمديد توقيف السيد الذهبي:
ادعت جهة الدفاع عن السيد الذهبي وجود اخطاء ومثالب شابت القرار الصادر بتمديد توقيفه، والتي يمكن عرضها وتلخيصها بعيبين رئيسين كما يلي:
1- العيب الاول: ويتمثل فيما ادعى فريق الدفاع عن السيد الذهبي من وجود خطأ اجرائي في قرار تمديده تمثل في توقيت صدور ذلك القرار:
حيث صدر قرار تمديد التوقيف بعد انتهاء مدة التوقيف الاولى، اي بعد انتهاء الاشهر الثلاثة الاولى التي نصت عليها الفقرة (1) من المادة (114) من قانون اصول المحاكمات الجزائية، وهي الحد الاقصى الذي يجوز للمدعي العام تمديد التوقيف اليه دون الرجوع الى المحكمة المختصة، حيث ينص عجز الفقرة المذكورة بأنه [... وعلى أن يفرج عن المشتكى عليه بعدها ما لم يتم تمديد مدة التوقيف وفق احكام الفقرة (3) من هذه المادة]. وبالرجوع الى الفقرة (3) من المادة (114) من قانون اصول المحاكمات الجزائية نجدها تؤكد صراحة وبنص لا يقبل التأويل على ضرورة ان يصدر قرار تمديد التوقيف قبل انتهاء مدة الثلاثة اشهر الاولى. والمتمعن في نص المادة السابقة يجده يقرر وجوب اتمام اجراءين اثنين قبل انتهاء مدة الثلاثة اشهر الاولى، وهما: الاجراء المتمثل بعرض المدعي العام ملف القضية على المحكمة لطلب تمديد التوقيف، بدليل عبارة [اذا اقتضت مصلحة التحقيق قبل انتهاء المدد المبينة في الفقرتين السابقتين استمرار توقيف المشتكى عليه وجب على المدعي العام عرض ملف الدعوى على المحكمة المختصة ..]. وكذلك الاجراء المتمثل في اصدار المحكمة المختصة قرارها بتمديد التوقيف، بدليل عبارة [وللمحكمة ... ان تقرر قبل انتهاء تلك المدة تمديد مدة التوقيف ...]. وعليه، فإننا وأمام نص صريح يقرر بكل وضوح وجوب اتخاذ كل من الاجراءين المذكورين قبل انتهاء مدة التوقيف (وهما عرض ملف التحقيق على المحكمة المختصة واصدارها القرار بتمديد التوقيف) لا نملك الا ان نقرر وقوع كل من جهة التحقيق والمحكمة المختصة بمخالفة اجرائية واضحة لقانون اصول المحاكمات الجزائية، اذ ان كلاً من عرض الملف التحقيقي لطلب التمديد وقرار التمديد نفسه قد اتخذا بعد انتهاء المدة المقررة في الفقرة (3) من المادة (114) من قانون اصول المحاكمات الجزائية.
2- العيب الثاني: ويتمثل فيما ادعى به فريق الدفاع عن السيد الذهبي من وقوع المحكمة في خطأ اجرائي آخر يتمثل في تمديدها توقيف السيد الذهبي لمدة شهر واحد فقط لا لثلاثة اشهر:
وذلك على الرغم ان الفقرة (3) من المادة (114) من قانون اصول المحاكمات الجزائية تقرر ان [...على المحكمة المختصة بنظر الدعوى وللمحكمة وبعد الاطلاع على مطالعة المدعي العام وسماع اقوال المشتكى عليه او وكيله حول مبررات استمرار التوقيف من عدمه والاطلاع على اوراق التحقيق ان تقرر قبل انتهاء تلك المدة تمديد مدة التوقيف لمدة لا تتجاوز في كل مرة شهراً في الجنح وثلاثة اشهر في الجنايات ...]. واذا كان ظاهر النص السابق يبدو انه ولاول وهلة يؤيد ما يقول به فريق الدفاع عن السيد الذهبي (لأن المشرع في النص السابق قرر صراحة التفرقة في تمديد التوقيف بين الجنايات والجنح، فاوجب تمديده في الجنح شهراً بينما اوجب التمديد في الجنايات لثلاثة اشهر، ورغم صراحة ذلك النص –تقول جهة الدفاع- صدر القرار بتمديد التوقيف لشهر واحد فقط رغم ان الجريمة التي يتم التحقيق مع السيد الذهبي بها هي من نوع الجناية لا الجنحة) الا اننا ومع احترامنا للسادة فريق الدفاع عن السيد الذهبي، فاذا كنا لنتفق معهم في المسألة الاولى فإننا لا نتفق معهم في الثانية، لسببين: يتمثل اولهما في أن المشرع وان جاء بصيغة خبرية قاطعة تفيد بوجوب التمديد لثلاثة اشهر في الجنايات، الا ان ذلك التقييد لمدة التوقيف لا يمكن ان يفسر الا من خلال القول بان الحكم المتضمن فيه انما جاء اصلاً لمصلحة المشتكى عليه، حيث قررت 'الحد الاقصى لتمديد التوقيف بقرار واحد من قبل المحكمة المختصة'، وبحيث يتوجب الرجوع الى المحكمة لعرض موجبات التمديد وسماع جميع الاطراف مرة اخرى قبل تمديد التوقيف لمرة اخرى بعدها، مما يعني ان العلة من النص السابق -والمتمثلة في حماية مصلحة المشتكى عليه- هي ذاتها ما يستوجب تفسير ذلك النص بالقول بأن مدة الثلاثة اشهر لا تمثل مدة قطعية لا بد من ان يتم التمديد اليها في جميع الاحوال التي يتقرر فيها التمديد، وانما تمثل الحد الاقصى للمدة التي يجوز تمديد التوقيف اليها بقرار تمديد واحد صادر عن المحكمة المختصة. وبالتالي فإن المحكمة المختصة واذ جاء قرارها بتمديد توقيف السيد الذهبي لمدة شهر واحد فتكون قد التزامت بان يكون تمديد التوقيف لمدة اقل من الحد الاقصى الذي قرره النص القانوني ويكون قرارها صحيحاً وموافقاً لاصول القانون والاجراءات من هذه الناحية. اما السبب الثاني لعدم اتفاقنا مع الدفع بعدم صحة تمديد التوقيف لشهر واحد فقط فيتمثل في ان القرار الصادر بتمديد توقيف السيد الذهبي لمدة شهر واحد لا لثلاثة اشهر جاء لمصلحة المشتكى عليه، فكيف تطالب جهة الدفاع بما يضر بمصلحة موكلها؟ حيث يفهم من دفعها ذلك وجوب ان يتم تمديد توقيف موكلها لثلاثة اشهر لا لشهر واحد، وهو طلب لا يُقبل قانوناً لانه يضر بمصلحة مقدمه، ومن المعلوم انه [لا يقبل اي طلب او دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون] (المادة 3/1 من قانون اصول المحاكمات المدنية).
ثانياً: المحور الثاني: ونبحث به في اثر العيوب والاخطاء التي تخللت القرار الصادر بتمديد توقيف السيد الذهبي على صحة ذلك القرار:
خلصنا مما سبق الى ان قرار تمديد التوقيف لمدة شهر واحد صحيح قانوناً، اما بالنسبة لاجراء طلب التمديد والقرار الصادر به بعد انتهاء مدة التوقيف فهو وان كان اجراءً معيباً بلا شك، الا انه وحتى في اطار هذا العيب -الذي نقر بوجوده- فإن تساؤلاً ذهبياً يثور حوله يتمثل في مدى اثر ذلك العيب في صحة القرار الصادر بتمديد توقيف السيد الذهبي وفيما اذا كان تأثيره به يصل الى درجة ابطاله. ذلك ان من المستقر عليه فقهاً وقضاءً ان ليس من شأن كل عيب يتخلل الاجراء يؤدي الى بطلانه، والا ابطلنا كثيراً من الاجراءات لاي خلل قد يعتريها وبغض النظر عن اهميته او جوهريته الامر الذي يشل عمل النيابة العامة والقضاء، وهو ما حذا بالفقه والقضاء الى هجر نظرية البطلان الشكلي. في مقابل ذلك فإنه وفي ذات الوقت، لا يمكن الاحتجاج بمجرد عدم وجود نص يقرر البطلان في المادة (114/3) للقول بعدم بطلان تمديد التوقيف، اي وفقاً لنظرية البطلان القانوني (والتي تقرر الا بطلان بغير بنص)، لأن من شأن ذلك تقرير صحة كثير من الاجراءات رغم ما تعتريها من عيوب فقط لأن المشرع اغفل النص على بطلانها في تلك الحالة، الامر الذي يعدم اية سلطة تقديرية للقضاة ويتنافى مع ابسط مقتضيات العقل والمنطق.
بقيت امامنا نظرية ثالثة هي نظرية البطلان الذاتي، والناظر الى قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني يجد المادة (7) منه تجمع فيما بين المعيارين: القانوني والذاتي في البطلان، حيث نصت على انه: [يكون الاجراء باطلا اذا نص القانون صراحة على بطلانه او شابه عيب جوهري لم تتحقق بسببه الغاية من الاجراء]. وبرجوعنا الى نظرية البطلان الذاتي نجدها تستند الى معايير عدة، يمكننا حصرها في معيارين رئيسيين نستعرضهما ونبحث مدى انطباق اي منها في حالة القرار الصادر بتمديد توقيف السيد الذهبي، فبالنسبة للمعيار الاول وهو معيار العيب الجوهري الذي لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء فإنه وبتطبيقنا هذا المعيار على قرار تمديد توقيف الذهبي نجد ان مجرد التأخر في اصدار القرار بتمديد التوقيف لم يُضيّع الغاية من اجراء التمديد. اما بالنسبة للمعيار الثاني والمتمثل في مدى ارتباط الاجراء بحقوق الدفاع اي في مدى مساس العيب المرتكب بحقوق الدفاع (معيار الضرر) فإنه وبتطبيقنا هذا المعيار على قرار تمديد توقيف الذهبي نجد ان الضرر المفترض من وراء التأخر في عرض الملف التحقيقي على المحكمة المختصة لطلب تمديد التوقيف لا يتحقق الا اذا كان قرار المحكمة برفض طلب التمديد، وفي حالتنا هذه فأما وقد قبل ذلك الطلب فأين الضرر من التأخر في تقديم طلب التمديد ليوم واحد او يومين؟
اخيراً، يثور التساؤل حول ما اذا كان شرط صدور القرار بتمديد التوقيف قبل انتهاء مدة الثلاثة اشهر الاولى من قبيل شروط المدد التي يترتب على اغفالها سقوط الحق في اجراء التمديد ام (بحيث لا يجوز تمديد التوقيف بعدها) ام لا؟ والصحيح ان شرط المدة السابق لا يترتب على اغفاله سقوط الحق في تمديد التوقيف لأنها لا تعدو ان تكون مجرد مدة وضعها المشرع لضمان عدم استمرار توقيف المتهم بغير قرار بتمديد التوقيف من جانب المحكمة المختصة لفرض رقابة من قبلها على تمديد التوقيف وعدم ترك تلك السلطة في تمديد التوقيف بعد ذلك لمطلق صلاحية وتقدير النيابة العامة بغير رقابة المحكمة على موجبات التوقيف وسماع مطالعة ومطالب جهة الدفاع وتقدير اوراق الدعوى وبيناتها من جديد. وعليه، فلا يترتب على تأخير تقديم طلب تمديد التوقيف اي ضرر جوهري تضيع معه الغاية من الاجراء او يمس بحق من حقوق الدفاع طالما كان القرار الصادر في ذلك الطلب باجابته وتمديد التوقيف لا برفضه. بالاضافة الى ان صدور قرار التمديد بأثر رجعي واعتباراً من انتهاء مدة الاشهر الثلاثة السابقة عليه وان كان تبدو في ظاهره لاول وهلة مخالفة قانونية الا اننا نمتلك الجرأة لمخالفة جانب معتبر من الفقه والقضاء لننفرد –اذا اضطررنا- بالقول بان السريان بأثر رجعي لقرار تمديد التوقيف هو الموافق لصحيح القانون والاجراءات ولروح العدالة وحكمة التشريع، لسببين اثنين: يتمثل اولهما في ان سريان التوقيف بأثر رجعي يحمل في طياته -في حقيقة الامر والواقع- جزاءً وفاقاً على مخالفة القاعدة المتضمنة وجوب صدور قرار التمديد قبل انتهاء مدة الاشهر الثلاثة الاولى او المبتدأة للتوقيف، حيث يقرر ضرورة سريان قرار التمديد باثر رجعي، وهو جزاء يغني عن تقرير البطلان –بل ويمنع من فرضه- لسبب بسيط يتمثل في منع اي اثر ناجم عن مخالفة القاعدة القانونية التي تفرض صدور قرار التمديد قبل انتهاء مدة الاشهر الثلاثة السابقة، وكذلك يحرم من الاستفادة ويمنع من قطف اية ثمار ناجمة عن تلك المخالفة القانونية، من خلال فرض سريان التمديد بأثر رجعي بحيث ينتج التمديد اثره وكأنه صدر قبل انتهاء مدة الشهر الثلاثة الاولى. اما السبب الثاني للقول برفض الطعن برجعية قرار تمديد التوقيف فيتمثل في أن سريان قرار تمديد التوقيف بأثر رجعي يحمل بين طياته -في حقيقة الامر والواقع - مراعاةً واضحةً لمصلحة المشتكى عليه في ان يتم احتساب المدة التي تم تمديد التوقيف اليها باثر رجعي، لأن القول بخلاف ذلك سيطيل امد توقيف المشتكى عليه وهو بلا شك يتضمن اضراراً واضحاً به، وهو ما يمنع من تقرير البطلان تأسيساً على الضرر، لان ذلك ببساطة يَجبُرُ الضرر بشكل يمنع من تقرير وقوعه والمطالبة بالبطلان بناء عليه. وبالاضافة الى ما سبق، نجد ان من غير الجائز قانوناً لجهة الدفاع ان تطالب بما يضر بمصلحة موكلها؟ حيث يفهم من دفعها الاخير وجوب ان يسري قرار التمديد باثر فوري لا رجعي، وهو طلب لا يُقبل قانوناً لانه يضر بمصلحة مُقدِّمِهِ، اذ تترتب عليه اطالة مدة توقيف المشتكى عليه، فمن المعلوم كما قلنا انه [لا يقبل اي طلب او دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون] (المادة 3/1 من قانون اصول المحاكمات المدنية).
من كل ما سبق، نخلص الى ان صدور القرار بتمديد التوقيف لمدة شهر واحد امر يتفق وصحيح القانون الذي وحين وضع مدة الثلاثة اشهر تلك فإنما كان قد وضع حداً اقصى لتمديد التوقيف في القرار الواحد، ومدة الشهر تندرج ضمن ذلك الحد الاقصى التي يجوز تمديد التوقيف اليها. اما صدور قرار التمديد بعد انتهاء مدة الثلاثة اشهر الاولى فهو وان كان مخالفاً لصحيح القانون والاجراءات الا انه لا يرتب بطلان القرار الصادر بتمديد التوقيف، لعدم ترتب اي ضياع للغاية من اجراء التمديد بسبب تلك المخالفة، كما ولا يترتب اي ضرر او مساس بحقوق الدفاع بسبب تلك المخالفة الاجرائية، طالما كان القرار الصادر بعد تلك المدة كان بإجابة طلب النيابة العامة تمديد التوقيف لا برفضه. مما يعني بالنتيجة صحة القرار الاخير الصادر بتمديد توقيف السيد الذهبي، وهو ما يبرر رد الطعن بالاستنئاف المقدم على القرار الصادر عن محكمة البداية برفض طلب اخلاء سبيله، والذي تقرر مؤخراً.
ذلك ما كان من أمر اجتهادي في هذه المسألة، ورأيي يبقى صواباً يحتمل الخطأ ورأي غيري يحتمل الصواب، فإن أصبت فمن الله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فعسى أن أكسب باجتهادي هذا الأجرين لا الأجر الواحد، والله من وراء القصد، وشكراً.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة