الأحد 2024-12-15 08:59 م
 

كل هذا العنف؟!

07:35 ص

الانفعال العاطفي الزائد، الصوت العالي في الحديث، التنقل بسهولة بين العدوانية واللطف، التأثر البلاغي في التعبير، النفاق والمراوغة في المبادئ وفي العلاقات، الاعتبار المتواضع لقيم الصدق والاستقامة والإنجاز، الاستقواء على الأضعف والاستخذاء عند الأقوى، التبرير للعجز والتقاعس، الطمع في المال العام واحتقار الحيز العام، قوة العواطف السلبية، النظرة الى المرأة، معنى الشرف، معنى المواطنة ... وأكملوا من عندكم القائمة عن السلبيات الاجتماعية التي كنت أتأمل بها وأنا أفكر في موضوع العنف وطبيعة عنف الأفراد والجماعات عندنا وارتباطها الوثيق بمعنى التخلف والتقدم في المجتمع والدولة.

اضافة اعلان


خذ أوروبا وابدأ من الجنوب من أسفل صقلية ثم اذهب صعودا حتى أقصى شمال أوروبا ستجد حرفيا القيم والعلاقات والسلوك تتطور بصورة وثيقة مع تقدم المجتمع. خذ مثلا واحدا قيمة الصدق والامتناع عن الكذب. في أقصى الجنوب ستجد ألفة كاملة مع ما تعرفه في مجتمعاتنا عن الكذب والتشاطر والفهلوة وسهولة التحول إلى العنف في أي خلاف، وسلوك الشرطة بين التشدد والتساهل أو التواطؤ لاعتبارات ظرفية. صحيح أن ثمة خصوصية ثقافية وحضارية للأمم والقوميات ومنها خصوصيات جميلة ومميزة، لكن منظمومة من القيم والسمات السلبية والتناقضات تجدها كقاسم مشترك في المجتمعات المتخلفة وبينها حرفيا ما ذكرناه آنفا.


طبعا العنف موجود في جميع المجتمعات، وفي أكثر البلدان تقدما يوجد جرائم ترتبط مثلا بأعمال السطو المسلح أو تجارة المخدرات أو انحراف نفسي واجتماعي لكن ليس مألوفا أن يتطور خلاف بين أشخاص عاديين إلى القتل أو يتحول شجار شخصي حول أمر تافه إلى صدام مدوٍ بين عشائر فتحرق المتاجر والبيوت وتهاجم الأحياء ويعتدى على المارّة، فهذه خصوصية ترتبط بالتخلف، كما هي أيضا ظواهر الاعتداء على الأطباء والمعلمين أو تحطيم الممتلكات العامة واصطناع شغب لإظهار ثقل رَبع الضحية المفترضة وسطوتهم أمام الدولة!


يضج المجتمع بالغضب بسبب جرائم قتل ترتكب بدم بارد ولأسباب غير مبررة كما حصل مؤخرا، وهذا شيء يُطمئن بأننا ما نزال بخير لكن لننتبه أننا نحن اللذين نستغرب ونستهول هذه الحوادث يوجد داخل كل منا قاتل محتمل لأننا نحمل نفس السيكولوجيا الاجتماعية والثقافة التي انزلقت بالجاني الى القتل، وأتحدث عن الحالات التي كان فيها القاتل شخصا عاديا وبدون سجل أو امتهان للإجرام، ويكفي النظر إلى حوادث العنف المجتمعي التي انتهت إلى جريمة قتل، ما هو أصل الحادثة وكيف تطورت وانتهت الى هذا العنف الجماعي!


في حادثة الأمن العام أثق أن هذه ليست سياسة الجهاز الذي اشتغل منذ سنوات مديدة على تطوير الأداء وتثقيف أعضائه بالممارسة الصحيحة وبمعاني حقوق الإنسان ووضع التشريعات التي تُعاقب وتَردع كل تعد على حقوق المواطن حتى أن السنوات الأخيرة شهدت حملة معاكسة تشكو من تراخي الأمن وفقدانه لهيبته واستسهال التطاول عليه خصوصا في المناسبات التي وقع فيها رجال الأمن ضحايا اعتداءات غاشمة. وأثق ان لدينا مشكلة ثقافية اجتماعية؛ فهنا ايضا نمارس ثقافة عدوانية متخلفة حين يكون الشخص مكشوفا وضعيفا ويمكن إطلاق العدوانية الكامنة في النفوس دون خشية من العواقب، ولا يفعل ذلك رجال الأمن فقط.


نعقد عشرات الندوات ونجري الأبحاث والدراسات وثمة كثير من الاستنتاجات. وتحتل الضغوط الاقتصادية والمعاناة المعيشية للناس مكانا بارزا في تفسير الظاهر، وأنا لا أختلف مع هذا لكنه ليس الأساس. ثمة تناقض فادح بين التقدم التقني والاستهلاكي والتوسع السكاني والحضري والتخلف الثقافي الاجتماعي. وضعنا اليوم في حالة الله يعلم أين ستوصلنا.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة