كي لا نبقى خارج التغطية!

ثمة كثيرون في بلادنا ما زالوا يتباهون بأنهم لا يعرفون كيفية استخدام الحاسوب، ولا يستفيدون من الإمكانات الهائلة التي يتيحها لهم الهاتف الذكي، إلا استقبال وإرسال المكالمات، علما بأن هذا الجهاز العجيب هو عبارة عن حاسوب كفي صغير عظيم الفائدة، وبالإمكان إنجاز الكثير من الأعمال الهامة عبره، إضافة لاستخدامه وسيلة للترفيه واللعب، والتحرش بالآخرين(!) والفسفسة (فيس بوك) والتوترة (تويتر) وهو بالبطع نافذة سهلة يدخلك إلى عالم الشبكة العنكبوتية العجيب، وبوسعه أن يكون جزءا خطيرا من اقتصاد الفرد والمجتمع!

يظهر تقرير حديث نشر تحت عنوان «تقرير عن التنمية في العالم 2016: العوائد الرقمية»- أعده «البنك الدولي» جملة من الحقائق المذهلة، يتعين على قادة المجتمع والرأي، وكل من هو معني بتغيير المجتمع، ومنشغل بهمومه، أن يقرأه جيدا، ويستفيد من المعلومات القيمة التي احتواها.
التقرير يتحدث عما يحلو للكثيرين أن يسموه «العالم الافتراضي» وهو في الحقيقة أصبح العالم الحقيقي لنا، أما العالم الذي نراه فقد أصبح افتراضيا بالفعل، لأن ما يبدو منه لا يساوي غير جبل الجليد، أما ما يخفي الجليد، فهو العالم الأكثر أهمية وتأثيرا، وواقعية!

يقول التقرير أنه رغم الانتشار الكبير والمتزايد لاستخدام الانترنت حول العالم خلال العقد الماضي، الا أن الخدمة ما تزال بعيدة عن حوالي 4 مليارات نسمة. وقد زاد عدد مستخدمي الإنترنت ثلاث مرات خلال عقد واحد ليسجل مؤخرا 3.2 مليار شخص، وهناك ما يقرب من 60 % من سكان العالم -نحو 4 مليارات شخص- ما يزالون خارج نطاق الشبكة العنكبوتية، وبالتالي فهم محرومين من الاقتصاد الرقمي دائم التوسع، ولنعرف أهمية هذه الحقائق، علينا أن نعلم إن التقنيات الرقمية يمكن أن تعزز الكفاءة والابتكار، حيث أن 40% من البالغين في شرق أفريقيا مثلا يدفعون فواتير المرافق والخدمات باستخدام الهاتف المتنقل، وهناك ثمانية ملايين شخص من رواد الأعمال في الصين، ثلثهم من النساء، يستخدمون برنامجا للتجارة الإلكترونية لبيع السلع محليا والتصدير إلى 120 بلدا. وفي بلد مثل الهند أتاحت هوية رقمية فريدة لقرابة مليار شخص خلال خمس سنوات، ووسعت نطاق الحصول على الخدمات العامة وحدّت من حجم الفساد في هذه الخدمات، ويشير التقرير الى قطاع الخدمات الصحية العامة وكيف أثبتت الرسائل النصية القصيرة البسيطة فعاليتها في تذكير الأشخاص المصابين بالإيدز بتناول العقاقير التي تحافظ على حياتهم!

العالم تغير كثيرا خلال العقود الأخيرة، تقرير البنك الدولي يتحدث عن وعد العصر الرقمي الجديد» بتحقيق التنمية تحقيقا كاملا، لهذا يقترح اتخاذ إجراءين رئيسيين، وهما: سد الفجوة الرقمية عن طريق تحويل الإنترنت إلى خدمة عامة ميسورة التكلفة مفتوحة وآمنة؛ وتعزيز اللوائح التي تضمن التنافس بين الشركات ومواءمة مهارات العمال بما يتناسب ومتطلبات الاقتصاد الجديد وتعزيز المؤسسات الخاضعة للمساءلة».

على أهل بلادنا أن يقرأوا جيدا هذه المعطيات، وأن يكفوا عن الافتخار بأنهم من أميي الإنترنت، لأن من يبقى خارج هذا العالم، فهو خارج التغطية، بمعنى الكلمة، علما بأن ثمة مبشرات كثيرة يظهرها الجيل الجديد من الرجال والنساء في بلادنا ممن دخلوا عالم الاقتصاد الرقمي، وبدأوا يكسبون عيشهم من التجارة الإلكترونية!